تمت الإضافة بتاريخ : 21/07/2013
عزل مرسي وتأثيره على الثورة السورية
السيد أبو داود
لا خلاف على أن الثورة السورية هي أكبر الثورات العربية وأكثرها تكلفة ودموية وعمرًا؛ فقد مضى على بدايتها قرابة العامين ونصف العام، وإلى الآن لم تحقق أهدافها التي قامت من أجلها، وأهمها: اقتلاع نظام الديكتاتور المجرم بشار الأسد، وإقامة نظام ديمقراطي حر وعادل على أنقاضه.
وقد كان من أسباب مقاومة النظام السوري وعدم سقوطه خلال كل هذه الفترة أن المساعدات الروسية والإيرانية تأتيه بلا حدود، كما أن القرار الغربي بالقضاء عليه لم يُتخَذ، بل تم اتخاذ قرار بعدم إسقاطه؛ من أجل مصلحة الكيان الصهيوني الذي لم يطلق عليه النظام السوري البعثي أية رصاصة منذ عام 1973م.
ولذلك فقد كان من الأهمية بمكان أن تتخذ مصر -بقيادة الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي- قرارها بدعم ثورة الشعب السوري والوقوف ضد نظام بشار وفضحه، وقيادة موقف معادٍ له، وأهمية قرار الرئيس مرسي جاءت من كونه قرار أكبر دولة عربية، وهو ما من شأنه أن يقود موقفًا عربيًّا شاملاً وكاملاً، مؤيِّدًا للثورة السورية، ومناهضًا للنظام السوري الدموي.
وكان قمة الموقف الرسمي المصري متمثلاً في: إعلان الرئيس الدكتور محمد مرسي في الخامس عشر من يونيو الماضي قطع كافة العلاقات مع النظام السوري، وإغلاق سفارته في القاهرة، وسحب القنصل المصري من دمشق، والإدانة القوية لتدخل "حزب الله" في سوريا بدوره السلبي بدعمه لنظام بشار بآلاف المقاتلين، مما نتج عنه سقوط مدينة القصير في يد زبانية بشار، وكذلك قتل المئات من السوريين المدافعين عن ثورتهم ضد نظام قمعي مجرم.
كان موقف الرئيس الدكتور محمد مرسي من الثورة السورية واضحًا من أول يوم تولى فيه الرئاسة؛ كيف لا؟! وهو ابن ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام مبارك، شقيق نظام بشار في القمع والاستبداد والدموية، فالدكتور محمد مرسي كان يحترم إرادة الشعب السوري الذي انتفض مطالبًا بحقوقه، كما انتفض الشعب المصري قبل ذلك وانتزع حقوقه، قبل أن ينقلب عليها الساسة الفاشلون ومعهم فلول مبارك وبغطاء كامل من الغرب وبتنفيذ وتخطيط مسبق من الجيش والشرطة والمخابرات.
ففي قمة عدم الانحياز في طهران في نهاية أغسطس 2012م، أعلن الرئيس مرسي أنَّ الرئيس السوري قد فَقَدَ شرعيته ولم يعد يمثل الشعب السوري، وقام آنذاك التلفزيون الإيراني بتغيير كلام مرسي عن النظام السوري بالنظام البحريني، ليصبح معنى كلام الرئيس أن النظام البحريني قد فقد شرعيته.
وكان الرئيس محمد مرسي واضحًا في إدانته لـ"حزب الله" اللبناني، الموالي بصورة كاملة للنظام الإيراني؛ فقد كان مرسي يعلم الدور السلبي الذي يقوم به هذا الحزب ضد الثورة السورية وفي دعم نظام قمعي فاقد للشرعية. رؤية الرئيس مرسي تأكدت للكافة عندما وقف "حسن نصرالله" أمين عام "حزب الله" مفاخِرًا باقتحام عناصر حزبه مدينة القصير وتحريرها، متناسيًا مزارع "شبعا" اللبنانية المحتلة، وأنَّه منذ تموز 2006م لم يطلق رصاصة ضد الاختراقات الصهيونية شبه اليومية، خاصة قصف الاحتلال عدة مرات لمواقع داخل سوريا حيث حليفه البعثي الذي لا يُبدي الشجاعة إلا ضد الشعب السوري فقط.
وإذا كان الكارهون للرئيس محمد مرسي ولتوجهه الإسلامي رأوا أن موقفه المناصر للثورة السورية من شأنه أن يغذي الحرب الطائفية في سوريا، وأن الرئيس مرسي بذلك يتجاهل تطورات الوضع السوري الميداني؛ فإن هذا الكلام مردود عليه من زاويتين:
الزاوية الأولى: أن ثورة الشعب السوري التي بدأت ضد هذا النظام البعثي القمعي في منتصف مارس 2011م مطالبة برحيل النظام؛ تجاهل هذا النظام مطالبها تمامًا ولم يتعاطَ معها، بل حشد حشوده وأعد جيشه ورجال أمنه لكي يواجه المدنيين العزل بالسلاح الثقيل والطائرات، في مواجهة غير متكافئة أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من مائة ألف سوري على يد جيش ومليشيات بشار. وهذا الموقف كان يستدعي إنسانيًّا وأخلاقيًّا التدخل لوقفه، وهو ما فعله الرئيس محمد مرسي.
الزاوية الثانية: أن الحرب الطائفية موجودة بالفعل؛ فإيران الشيعية وعميلها "حزب الله" الشيعي وميلشيات من شيعة العراق ومعهم النظام البعثي العلوي؛ كلهم -مجتمعين- يخوضون حربًا طائفية ضد السُّنة في سوريا، وكان يجب دعم أهل السنة في هذه المعركة غير المتكافئة وإلا استؤصلت شأفتهم.
ومن منطلق مواجهة جرائم النظام البعثي السوري ودعمًا لثورته؛ جمدت الجامعة العربية في نوفمبر 2011م عضوية النظام السوري في الجامعة العربية بموافقة 18 دولة عربية، كما جمدت دول مجلس التعاون الخليجي عمل سفاراتها في دمشق، ومنحت بعض هذه الدول -مثل قطر- مقر السفارة السورية في بلادها لممثلي المعارضة السورية التي شاركت في القمة العربية الأخيرة في قطر.
فإذا كانت هذه المواقف العربية شبه الجماعية ضد هذا النظام السوري قد صدرت مما يزيد على سنة ونصف، فكيف يمكن اعتبار قرار الرئيس مرسي بقطع العلاقات مع نظام بشار يصب في اشتعال الحرب الطائفية؟!
الحرب الطائفية في سوريا لم يشعلها الرئيس محمد مرسي، ولم يساعد في إذكائها، ولكنه ساهم في تخفيفها، أما مَن أشعل الحرب الطائفية هناك فهم الأطراف التي ذكرناها سابقًا والذين يغطون وجود مقاتليهم في سوريا بأنه "لحماية السيدة زينب"، والذين نسوا أن السيدة زينب محبوبة ومقدَّرة من أهل السنة ولا تحتاج لهذه الحماية.
وقد كفانا علماء الشيعة أنفسهم مئونة الرد على مَن انتقدوا موقف الرئيس محمد مرسي، فالمرجع الديني الشيعي اللبناني الشيخ علي الأمين انتقد تصريحات حسن نصر الله التي اعترف فيها أنَّ حزبه يحارب مع نظام بشار، وحذَّر علي الأمين من أنَّ هذه المواقف من شأنها أن تنقل القتال إلى لبنان، وهو ما بدأ فعلاً. وكذلك مواقف زعيم التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسين الذي حَمَّل "حزب الله" المسئولية الأساسية في حالة الفتنة الموجودة في سوريا ولبنان.
وإذا كان الغرب والعلمانيون في مصر -ومعهم الكنيسة والجيش- قد نجحوا في إزاحة الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي عن الحكم؛ فإن لذلك تأثيرًا سلبيًّا على الثورة السورية ودعمها وتضييق الخناق على نظام بشار، إلا أن الدعم المصري للثورة السورية في عهد الرئيس مرسي لم يكن بالمال والسلاح، وهذا يجعل التأثير السلبي على الثورة ضعيفًا؛ لأن دعم نظام الرئيس مرسي كان دعمًا سياسيًّا ومعنويًّا وإنسانيًّا، وخاصة مع اللاجئين السوريين في مصر. ولمعرفة أهمية هذا الدور المعنوي والإنساني نستحضر موقف نظام الانقلابيين من اللاجئين السوريين وإلزامهم بتأشيرة للدخول وبموافقة أمنية، ثم بحملة التشهير ضدهم في وسائل الإعلام، بدعوى تأييدهم لنظام الرئيس مرسي.
إن الرئيس مرسي كان يحاول حشد مختلف أطياف الشعب المصري حوله، لذلك كانت مؤتمرات دعم سوريا، التي كان يقصد منها إثارة دوافع المصريين لنصرة إخوانهم السوريين والترحيب باللاجئين، وكان الرئيس مرسي يدرك جيدًا أنه نتيجة لظروف مصر الاقتصادية ونتيجة للمعارضة الداخلية ضده فلن يستطيع دعم الثورة السورية بالمال والسلاح وما هو أكبر من الدعم المعنوي والإنساني.
النظام السوري الديكتاتوري الدموي يشعر الآن بقوة بعد عزل الرئيس مرسي، ولم يتمالك بشار نفسه من الشماتة في مرسي وفي الإخوان المسلمين، رغم أنهم جاءوا للحكم عن طريق إرادة الجماهير في صندوق الانتخابات، ورغم الملايين التي خرجت دفاعًا عن شرعيتهم، فبشار يقاتل ضد ثوار يدعمهم "الإخوان المسلمون"، وقد أراحه تمامًا أن يختفي من الساحة المصرية رئيس كان يؤيد الجهاد ضد النظام السوري، وفائدة ذلك لبشار أنه استطاع بَدء هجوم دموي على مدينة حمص، واضعًا في اعتباره أن الانتباه موجه بالكامل الآن إلى مصر.
الاسلام اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق