مقالات



لماذا تكرر إيران أخطاء الاتحاد السوفياتي؟
د. فيصل القاسم



لكثير من القوى عبر التاريخ اختلقت لنفسها أساطير خرافية معينة لتحكم بها شعوبها، أو لتستخدمها خارج حدودها بهدف التمدد والسيطرة على الآخرين. فمن المعروف مثلاً أن الاتحاد السوفيتي اختلق لنفسه أسطورة الشيوعية ليحكم بها، ليس فقط السوفيات، بل ليحاول من خلالها السيطرة على بقية بلدان العالم. وقد شاهدنا على مدى أكثر من سبعين عاماً كيف عمل السوفيات على تعميم نموذجهم الأسطوري المعروف بالشيوعية الأممية على العالم، لكن دون جدوى طبعاً.
ولا يقتصر الأمر على الروس في تصنيع الأساطير كأدوات للهيمنة والسيطرة، فحتى القوى الصغيرة لعبت نفس اللعبة باستخدام الأيديولوجيات الدينية والحزبية لتثبيت دعائم حكمها في الداخل وتصدير فائض قوتها إلى الخارج. باختصار شديد، فإن كثيرين اصطنعوا الأساطير السياسية والأيديولوجية والدينية واستخدموها كأساس لمشاريعهم السياسية والتبشيرية والتوسعية والاستعمارية.
وبينما استخدم السوفيات أسطورة الشيوعية لخلق قوة عالمية، ها هي إيران تستغل الأيديولوجية الدينية المذهبية للتمدد في أكثر من مكان في هذا العالم، فهي لا تكتفي بتطبيق نظرية ولاية الفقيه داخل البلاد والحكم بموجبها، بل تحاول تصدير ثورتها التي لطالما هددت الجيران بها، لكن هذه المرة بطرق جديدة تقوم على دعم المذهب الشيعي هنا وهناك، وإذا لزم الأمر لا بأس في تشييع الآخرين، تماماً كما كان يفعل السوفيات الذين جندوا ملايين الأشخاص في العالم تحت راية المطرقة والمنجل.

لو نظرنا إلى الإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثلاً لوجدناها تقوم بشكل مفضوح، إما على دعم الشيعة في هذا البلد أو ذاك بهدف إيصالهم إلى سدة الحكم، حتى لو تطلب ذلك الانقلاب على الأنظمة الحاكمة كما في العراق والبحرين ولبنان، أو العمل على نشر التشييع حتى لو كان في شمال إفريقيا كالمغرب واليمن ومصر وبلدان أخرى.
لقد شكل العراق على مدى فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين عقبة كأداء في وجه التمدد الإيراني وتصدير الثورة خارج الحدود، فما كان من الزعيم الإيراني آية الله الخميني إلا أن فتح جبهة ضد العراق بمجرد وصوله إلى السلطة في إيران بعد سقوط الشاه. وكلنا يتذكر رسالته الشهيرة التي أرسلها للقيادة العراقية آنذاك وختمها بعبارة تهديد واضحة، حيث انتهت الرسالة بعبارة "والسلام على من اتبع الهدى"، وكأنه كان يقول للعراقيين إنكم لا تتبعون الهدى، وبالتالي لا بد من محاربتكم. وفعلاً، فقد نفذ الخميني تهديده الشهير بمحاربة العراق لمدة ثماني سنوات، لكنه فشل في فتح الطريق أمام الإمبراطورية الإيرانية التي كان ينوي بناءها، فما كان منه بعد ثماني سنوات من الحرب إلا أن اعترف بفشله عندما شبّه وقف إطلاق النار بتجرع السم. لكن المؤسسة الحاكمة في طهران لم تيأس من الاستيلاء على العراق، فقد تحالفت مع الأمريكيين عندما غزوا العراق بشهادة نائب الرئيس الإيراني علي أبطحي الذي قال حرفياً: "لولا إيران لما استطاعت أمريكا غزو العراق وأفغانستان". وبعد خروج الأمريكيين من العراق وقعت بلاد الرافدين كالثمرة الناضجة في الحضن الإيراني كما كان يطمح ويخطط الإيرانيون منذ عقود. وبذلك أزاحوا كل ما يمت بصلة للنظام السابق، وعينوا مكانه أزلامهم ممثلين بحزب الدعوة والمالكي تحديداً، رغم أنه فشل في الانتخابات. وقبل استيلاء الإيرانيين على العراق طبعاً، كانوا قد استولوا على سوريا من خلال معاهدات إستراتيجية، ناهيك عن أنهم ثبتوا أقدامهم في لبنان منذ السبعينيات. وقد ظهر نفوذهم في بلاد الأرز بشكل صارخ بعد أن أصبح حزب الله الحاكم الحقيقي للبنان بقوة السلاح.
وبعد أن استحوذوا على العراق وسوريا ولبنان، راح الإيرانيون يعزفون على الوتر القديم في البحرين من خلال مظلومية الشيعة وأحقيتهم في حكم البلاد، وذلك من خلال إثارة القلاقل ودفع أتباعهم للثورة على نظام الحكم. ففي الوقت الذي كانوا يعاونون النظام السوري لإخماد ثورة شعبية حقيقية، راحوا يساعدون شيعة البحرين للانقلاب على الدولة. ولولا الجهود الغربية والعربية لتمكن أتباعهم من الوضع في البحرين، كما تمكنوا في الراق ولبنان.
وكما فعلت في لبنان، ها هي إيران تقتحم اليمن من خلال تشييع مذاهب قريبة من مذهبها. ويبدو أنها نجحت في الاستحواذ على الحوثيين الذين تحولوا إلى شوكة في خاصرة الدولة اليمنية وبقية الدول المجاورة. وقد تحدثت الأنباء أخيراً عن مشاركة قوات حوثية إلى جانب قوات حزب الله والعراق وإيران في سوريا كدليل على تعاضد "الهلال الشيعي" الذي تحدث عنه العاهل الأردني من قبل.
لا شك أن إيران بشهادة كبار علماء المسلمين تعمل جاهدة في معظم البلاد العربية على نشر التشيع. وقد وصلت محاولاتها إلى المغرب الذي شعر بالخطر، وقام بطرد السفير الإيراني من البلاد. وحدث عن التغلغل الإيراني في مصر وغيرها، ناهيك عن التلويح بخطر المجموعات المذهبية التابعة لإيران في دول الخليج.
لكن رغم تشابه التجربتين السوفيتية والإيرانية في التمدد خارج البلاد عبر الأساطير الأيديولوجية والروحية، إلا أن التجربة الإيرانية تعتبر أكثر خطورة، فالانتماء العقائدي السياسي السوفيتي انتهى في كل أنحاء العالم تقريباً بسقوط الاتحاد السوفيتي، بينما الانتماء المذهبي الذي تعتمد عليه إيران في المنطقة لتوطيد نفوذها سيكون شرارة قد تشعل حروباً مذهبية لا تبقي ولا تذر. وتتجلى ملامح هذه الحروب في رد الفعل العربي والإسلامي على التورط الإيراني والعراقي وحزب الله على أساس طائفي الأزمة السورية، حيث بات غالبية العرب والمسلمين يعتبرون حزب الله مثلاً عدواً مبيناً حسب آخر استطلاع شامل شارك فيه حوالي سبعمائة ألف شخص من عموم المنطقة.
كتبت قبل سنوات مقالاً بعنوان: "كي لا يخدعوكم بالخطر الشيعي كما خدعوكم بالشيوعي". وحذرت وقتها من خلاله من محاولات الغرب ضرب مكونات المنطقة ببعضها البعض. لكن يبدو الآن أن الغرب لم يعد بحاجة لضرب أحد بأحد بعد أن باتت إيران تلعب بالنار على المكشوف.

الشرق القطرية

المحطوري جزء من منظومة تكفيرية إقصائية

رشاد الشرعبي

       حينما سمعت عمّا أصدره العلامة آية الله المرتضى زيد المحطوري من فتوى توجب قتال الدولة وقواتها من أفراد الجيش والأمن؛ لم أجد أن هناك جديداً فيما قاله وأفتى به سوى أنه يجدّد تأكيد العقلية التكفيرية التي يسير عليها هو وأصحابه المتطرفون والثقافة المعادية للدولة والنظام والقانون مهما تدثّروا بلافتات حقوقية ومدنية.

هذا الرجل يظل كلامه مستفزاً باستمرار، وأعجز عن نسيان مقابلته ذات مرة في إحدى الصحف اليمنية وهو يتحدث عن “جدّه” محمد صلى الله عليه وسلّم و«جدّته» أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بطريقة تدل على ادعاء النسب والقرابة العائلية دون اعتبار للمكانة النبوية للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم.

هو ليس جديداً ما قاله وما يتم ضد الدولة من تمرُّد واستمرار السيطرة على المناطق في صعدة وما حولها بقوة السلاح وادعاء محاربة الأعداء الوهميين وقتل المسلمين عسكريين ومواطنين صورة واقعية لعقلية المحطوري وثقافته المرتكزة على الاستعلاء بالنسب واحتكار كل شيء للسلالة، والعمل وفق الفكرة الإبليسية «أنا خير منه»!!.

المحطوري ليس سوى جزء من منظومة تكفيرية إقصائية استعلائية تواجه الآخرين تحت لافتة «محاربة التكفيريين والإقصائيين» وباسم المدنية وحقوق الإنسان, ومن لايزال في عقله شك فيما أقول عليه أن يراجع الوثيقة الفكرية التي أصدرها علماء حوثيون قبل أكثر من عام والتي أفتوا من خلالها أن الولاية لـ«البطنين» وعدم صلاحيتنا كمسلمين في الاجتهاد وتفسير القرآن مادمنا لسنا من عترة رسول الله الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

مثل المحطوري كان محمد عبدالعظيم الحوثي يتحدّث لصحيفة «الجمهورية» أن الولاية مازالت حقاً لـ«البطنين» ويكفّر ويفسّق، ولحقهما قبل يومين يحيى بدر الدين الحوثي وهو يوجّه رسالة متخمة تفسيقاً وتكفيراً وادعاء الحرص على الدين وهو يخاطب حزب «الإصلاح» عبر صفحته على «الفيسبوك».

لا يكفي أن يتقدم أحد ممثلي مكوّن ما يسمّى “أنصار الله” في مؤتمر الحوار الوطني برؤية فيها إشارة إلى قبول بعدم استمرار الولاية لـ«البطنين» في بداية التسعينيات فيما الفتوى مستمرة من مرجعياتهم وعلمائهم وخطبائهم في ادعاء الحق الإلهي بالولاية والحكم.

ولا يكفي أن يتصدّر المشهد الصديق العزيز محمد المقالح ليقول إن فتوى المحطوري مجرد رأي سياسي, فيما نجد المقالح ذاته يمارس النواح والعويل كلما تحدّث الزنداني أو الحزمي أو الحجوري؛ رافضاً استغلالهم الدين وتسييسه، ومتمرداً على الفتاوى حقهم.

أتمنّى من المقالح ومن تستفزّهم فتاوى الزنداني أن تستفزهم أيضاً فتاوى المحطوري والحوثي والقليصي، أو أن يتعاملوا معها جميعاً كرأي سياسي سواء كانت صادرة عن المحطوري أم الزنداني أو الحزمي أو المهدي أو الإمام والحجوري.

نحن نرفض الفتاوى المسلوقة لصالح أجندة سياسية ،سواءً كانت من الشيخ الزنداني أم العلامة المحطوري أو غيرهما, كما نرفض استمرار استهداف منتسبي القوات المسلحة والأمن من قبل جماعة الحوثيين أو تنظيم «القاعدة» أو غيرهما من الجماعات التي تمارس العنف المسلّح لفرض أجندتها السياسية ورؤاها المتطرّفة.

على من يدعون أنهم “أنصار الله” أن يعلنوا موقفاً واضحاً مما يطرحه الحوثيون كجماعة ومليشيات مسلّحة تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان لا تتوقف في صعدة وغيرها، وكمرجعيات دينية تصدر فتاوى تكفيرية وتفسيقاً وتحريضاً ضد الدولة والنظام والقانون والمخالفين لها سياسياً ومذهبياً.

أحد ممثلي “أنصار الله” في إحدى فرق الحوار الوطني وهو صديق عزيز وزميل صحافي أصرّ عليّ أن أعلن موقفي في حرية المعتقد باعتباري إصلاحياً؛ فيما كنت أتحدّث كصحافي في لقاء جمعنا مع فريق حقوقي تابع للحوار الوطني في مقر نقابة الصحافيين.

أتمنّى على زميلي ذاته ـ وهو اليساري إلى ما قبل أشهر ـ أن يعلن موقفاً واحداً تجاه الانتهاكات الحقوقية في صعدة والفتاوى التكفيرية من مرجعيات الحوثي وشعارهم العدائي ضد اليهود وأمريكا وممارساتهم الميدانية ضد المسلمين وتمردهم على الدولة والنظام والقانون، وفرض سيطرتهم بقوة السلاح وليس بالبرامج الانتخابية وخدمة الناس، وليس الاستعلاء عليهم وإنكار حقهم في الولاية!!.

 نشوان نيوز - الجمهورية  


http://www.alnaba.org/details.aspx?pagename=gen&pageid=2193






حوثيون يرفضون " شريعة الله" كمصدر وحيد للتشريع! 

عادل أمين


 موسوعة النبأ     حتى الآن لم يحدد الحوثيون رؤيتهم لهوية الجماعة التي يرفعون لوائها ويعتنقون أفكارها ويكافحون لبلوغ أهدافها, وما إذا كانت جماعتهم دعوة دينية إحيائية مذهبية, أم حركة تجديد إصلاحية شاملة, أم تنظيم سياسي يحمل رؤية وطنية جامعة.
عادل أمين
 كما لم يقدموا لنا تفسيراً لماذا بزغ مشروعهم التوسعي مع اندلاع ستة حروب متتالية, وتحولهم من ثمّ إلى متمردين وجماعة مسلحة خارجة عن النظام والقانون؟ ولماذا غدا مشروعهم لصيقاً بالقوة والعنف وتكديس السلاح وممارسة أعمال تتنافى بالكلية مع الدعوات الإصلاحية وتُصادم بطبيعة الحال العمل السياسي السلمي؟ وبرغم كونهم يُصرون على رفض تشكيل أي حزب سياسي لتقديم أنفسهم من خلاله, إلاّ أنهم مع ذلك منخرطون في العمل السياسي دون أن يحددوا بالضبط ملامح هويتهم السياسية وبرنامجهم السياسي! تناقضات الحوثيين في ميدان العمل السياسي كثيرة, بالنظر إلى حداثة تجربتهم وقلة خبرتهم, وربما أيضاً نتيجة محاولتهم الإسراع في قطف ثمار جهودهم واستعجالهم الوصول, وهذا شأنهم على أي حال.
من تناقضات الحوثيين, مطالبتهم بإسقاط الحكومة الحالية, ودمغها بالعمالة لأمريكا رغم مشاركتهم فيها! وعلى الرغم من أنهم يبدون معارضتهم الشديدة للمبادرة الخليجية المدعومة دولياً, ويعدونها مؤامرة أمريكية سعودية للالتفاف على الثورة الشعبية, إلاّ أنهم كانوا سباقين في تقديم مندوبيهم الـ35 لمؤتمر الحوار الوطني الذي هو أحد مخرجات المبادرة التي يرفضونها جملة وتفصيلاً كما يزعمون.
 حتى شعارهم, الموت لأمريكا, قالوا بأنهم لا يعنونه حقيقة وإنما يعنون فقط الموت لسياسة أمريكا, وإذاً فالمعنى الحقيقي في بطن الشعار وليس في ظاهره, لكنهم لا يفصحون عن ذلك لأتباعهم, بل يُفرطون في تعبئتهم بأن أمريكا محتلة لليمن ويجب جهادها وجهاد الحكومة اليمنية العملية التي سمحت لهم باحتلال اليمن مقابل بقائها في السلطة. وهم مع ذلك يشاركون في هذه الحكومة (العميلة) ولا يفكرون بالانسحاب منها في الوقت الحالي.
بيد أن أغرب تناقضات جماعة الحوثي, معارضتهم واستيائهم الشديد لما جاء في رؤى الأحزاب السياسية المقدمة لمؤتمر الحوار حول هوية الدولة اليمنية, والتي اتفقت جميعها- عدا حزب البعث الحوثيين- على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر جميع القوانين.
ومبعث الغرابة والدهشة أن الحوثيين الذين يتباهون بأنهم أصحاب ما يسمونه بمشروع الثقافة القرآنية الذي سيجدد الدين, كما يزعمون, ويعيد الشعب إلى ساحة الإسلام, ويجعل منه مرجعية شاملة لهم, إذا بهم يرفضون وبشدة النصّ في الدستور على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا!! وطالب بعضهم بحذف هذه المادة نهائياً من الدستور, والاكتفاء بالمادة الثانية التي تقول أن الإسلام دين الدولة, وبعضهم اقترح إدخال تعديل على تلك المادة لتصبح, الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع, بحجة أن هناك كثير من القوانين المخالفة لروح الإسلام, وعلينا أن نكون واقعيين ولا نغالط أنفسنا فنزعم أننا نطبق كل ما جاء في الشريعة, بينما يقول الواقع خلافه!!
بمعنى أنه طالما وأن ثمة خروقات وخلل في تطبيق روح الشريعة ونصوصها فعلينا التخلي عنها, أو إشراك قوانين وضعية إلى جانبها لنكون واقعيين ولكي لا نشعر أننا متناقضون مع أنفسنا, وبالتالي نستطيع التخلص من عقدة الذنب ووخز الضمير فتستقر نفوسنا وتتعايش مع الواقع بهدوء واطمئنان. هذا ما يريدون قوله.
ولن نكون مبالغين أو متحاملين في ما قلناه عن نظرتهم تلك الرافضة للشريعة كمصدر وحيد للتشريع, فهذه رؤيتهم, التي سنعرض لها, عن هوية الدولة التي قدموها لمؤتمر الحوار الوطني تفصح بجلاء عن موقفهم الرافض للشريعة.
 فهي تقول إن الدولة في اليمن لم تُبنَ على أساس الإسلام, ولا جميع التشريعات خضعت للتشريعات الإسلامية, وخصوصاً التشريع الدستوري, وتضيف الرؤية: يمكن القول أن الدولة بُنيت على أساس حكم المادة (4) من الدستور التي تنصّ على أن " الشعب مالك السلطة ومصدرها..." وعلى حكم المادة (5) التي تنص على أن " يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً" وعلى حكم المادة (6) التي تنص على أن " تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحد والإعلان العالمي لحقوق الإنسان...". وتضيف الرؤية (المقدمة لمؤتمر الحوار) أن المواد الثلاث الأخيرة (وهي 6,5,4 سالفة الذكر) هي التي تم الاعتماد عليها في وضع البناء القانوني للدولة وفقاً للأنظمة الوضعية المعاصرة, وبالتالي تم القفز على أحكام الشريعة الإسلامية في فقهها السياسي كلية, وأصبحت مضامين المواد الثلاث الأولى من الدستور- وهي المادة (1) الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية, المادة(2) الإسلام دين الدولة, المادة (3) الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات- ذات العلاقة بهوية الدولة ميتة, على حد تعبير الرؤية. وتأسيساً عليه, تذهب رؤية الحوثيين إلى القول: نرى أن الدولة هي شخص معنوي, والشخص المعنوي ليس له دين, فالدين هو للأشخاص الطبيعيين الذين يتكون منهم الشعب, ومن ثمّ الدين للشعب. والدين الإسلامي يقوم على مذاهب متعددة, ومن ثم يجب النصّ على هوية الشعب الإسلامية بما يكفل الاعتبار لجميع المذاهب الإسلامية وعلى وجه الخصوص المذاهب المتواجدة في اليمن. أ.هـ
وهكذا لا يرى الحوثيون أهمية النص في الدستور على أن تكون الشريعة مصدر القوانين جميعاً, بقدر ما يهمهم النص على الهوية المذهبية للشعب, أي التحديد صراحة أي المذاهب الإسلامية هي دين الشعب ومرجعيته, تماماً كما ينص الدستور الإيراني في المادة الثانية عشرة منه فيقول "الدين الرسمي لإيران هو االإسلام والمذهب الجعفري الإثنى عشري, وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير". وطبقاً لهذه المادة, فالمذهب الإثنى عشري وحده هو أساس التشريع, بل هو وحده عنوان الدولة المسلمة والشعب المسلم. وهذا ما يريده الحوثيون حين قالوا في رؤيتهم " يجب النصّ على هوية الشعب الإسلامية بما يكفل الاعتبار لجميع المذاهب الإسلامية وعلى وجه الخصوص المذاهب المتواجدة في اليمن" أي محاكاة نصّ المادة (12) في الدستور الإيراني. بيد أن الحوثيين كانوا أكثر شططاً وتطرفاً من إخوانهم في إيران, فهم يعتبرون الدولة شخص معنوي لا دين له, وطبقاً لرؤيتهم تلك, لا حاجة للنص في الدستور على أن: الإسلام دين الدولة, فالدولة, من وجهة نظرهم, شخص معنوي ليس له دين!! في حين أن المادة (12) من الدستور الإيراني سالفة الذكر تنص في بدايتها على أن: الدين الرسمي لإيران هو الإسلام. وبالطبع فالمقصود هنا بـ (إيران) الدولة والشعب معاً, إذ لا يمكن الفصل بينها والقول بأن لفظة (إيران) تعني فقط الشعب الإيراني ولا شأن لها بالدولة والنظام الحاكم.
وفي حين تؤكد المادة (4) من الدستور الإيراني على أنه: يجب أن تكون الموازيين الإسلامية أساس جميع القوانين والقرارات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها, وهذه المادة نافذة على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى إطلاقا وعموماً(أ.هـ). وهي كما ترون تحمل دلالات صريحة بأن الإسلام مصدر جميع القوانين, وإن كانوا حصروه في المذهب الجعفري الإثنى عشري, إلاّ أن الحوثيين يطالبون بعدم النص في الدستور اليمني على أن دين الدولة الإسلام, كونها شخص معنوي, والشخص المعنوي ليس له دين, كما تقول رؤيتهم لهوية الدولة. وثمة ذريعة أخرى يقدمها بعض الحوثيين الذين يحاولون التدثر بالمدنية والتقدمية لرفض النص على أن تكون الشريعة مصدر القوانين جميعاً, وهي أن ذلك سيؤدي حتماً إلى قيام دولة دينية لا مدنية!!
وهنا نسأل, أين هي تلك الدولة الدينية المرعبة التي تأسست في اليمن عقب ثورة سبتمبر وتشكيل حكومتها الجديدة بإشراف جمال عبدالناصر نفسه, الذي رضخ لإلحاح الشهيد الزبيري وكتب بخطه, الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا؟ ثم هل كانت حكومات الثورة المتعاقبة منذ السلال والإرياني والحمدي وصالح دولة دينية لمجرد أن دستورها نص على الشريعة كمصدر وحيد للتشريع؟ وهل تغيرت دولة الوحدة وصارت دولة دينية بعد أن جرى تعديل النص الدستوري ليعود كما كان؟ وهل كان علي صالح على رأس دولة دينية؟ وهل خرج الشعب اليمني في ثورة شعبية رافضاً الدولة الدينية المزعومة أم رافضاً الحكم الوراثي المستبد الموغل في الفساد والظلم؟ ثم أين هؤلاء المزايدون من أشياع إيران الذين يضجون من الشريعة فيما يزعمون الانتساب إليها والعمل على رفعتها, لماذا يصمتون على حكم الآيات والملالي الذين يحكمون دولة دينية حقيقية في إيران؟ فعلى سبيل المثال, تنص المادة (57) من الدستور الإيراني على: السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية, وتمارس صلاحياتها تحت إشراف ولي الأمر وإمام الأمة.
 وتنص المادة الخامسة على: في زمن غيبة الإمام المهدي تعتبر ولاية الأمر وإمامة الأئمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر. ألا تكّرس هذه النصوص دولة دينية أشد فضاعة من دولة الكنيسة؟ لكن أشياع إيران في اليمن يهتفون لدولة دينية هناك, ويُزايدون علينا بدولة دينية هنا, لا وجود لها سوى في مخيالهم وفي مشروعهم (القرآني) الذي يُروجون له باسم الولاية لآل البيت واصطفاءهم من دون الناس للتسلط على رقابهم بتفويض من السماء. تلك هي الدول الدينية بالفعل التي يريدونها لنا ونرفضها نحن, فقد عشنا وسنظل مع الشريعة أحرارا.
swaidi1968@yahoo.com
     الصحوة نت





حزب الله الذي خسر فلسطين ولم يكسب القصير

ياسر أبو هلالة



            ياسر أبو هلالة


"النصر" العسكري الذي حققه حزب الله للقصير وغيرها لم يكن مفاجئا لكل من يعرف فارق التسلح والخبرة والعدد والعدة بين حزب الله والمقاتلين في القصير. تماما كما أنه ليس مفاجئا تحول هذا التقدم إلى هزيمة منكرة في المدى القريب، أو استنزاف مميت على المدى المتوسط. فمثل أي قوة احتلالية غاشمة، لا يمكن لقوات حزب الله الاستقرار على الأرض. وإن صدقنا الكذبة التي أعلنها حسن نصرالله عن حماية ظهر المقاومة، فإن العكس سيحصل بعد دخول القصير، وسيكون سلاح الحزب ومقاتلوه هدفا مشروعا للثوار في سورية.

لقد صمد أهل القصير أكثر مما صمد جيش الأسـد في الجولان ولبنان أمام الإسرائيلي، تماما كما صمدوا أكثر مما صمد حزب الله في بلدات الجنوب أمام الجيش الإسرائيلي، ولقنوا جيش الأسد وميليشيا حزب الله دروسا لا تنسى في المقاومة. وفي صفحات حزب الله على الإنترنت شواهد على سقوط العدد الكبير من قتلى الاحتلال.

نهاية حزب الله من حيث المبدأ والفكرة تحققت منذ وقف مع الطاغية بشار الأسد؛ تحول من حركة مقاومة يحتضنها الشارع العربي عموما، والسوري واللبناني بشكل خاص، إلى ميليشيا طائفية تعتمد على الدعم الخارجي الإيراني، وتفتقر لأي شرعية أخلاقية أو احترام. يستطيع نصرالله أن يحتفل من مخبئه في ذكرى هزيمة 67 بالانتصار في القصير، في وقت يقوم أنصاره في الضاحية في ذكرى سقوط القدس بتوزيع الحلوى فرحا بالنصر على بلدة القصير الصغيرة التي صمدت شهرا كاملا.

لا يحمي ظهر المقاومة كسب عسكري كهذا؛ ما يحميها هو الحاضن الشعبي لها. فحماس حققت عسكريا في حرب غزة وما سبقها وما تلاها ما حققه حزب الله؛ فهما لم يحررا القدس، ولكن تمكنا من الصمود وحررا مساحة محدودة من الأرض، تشكل مساحة أمل للحالمين بالتحرير.

لا يصدق أحد حكاية حماية ظهر المقاومة؛ فإيران تزود الحوثيين بالسلاح رغم بعد الشقة، وتصل كذلك أسلحتها إلى غزة. في الحقيقة، حزب الله خاض معركة طائفية مثل أي ميليشيا حرب أهلية سخيفة. وهذه ههي نهاية الحزب، لا قطع خطوط الإمداد. لقد نفّذ الحزب، بحسن نية، الاستراتيجية الصهيونية بالزج به في أتــون حرب أهلية، وهي حرب استنزاف لا يمكن تحقيق انتصار فيها. مقاتلو القصير أنهكوا حزب الله وخسّروه مقاتلين وقادة عسكريين أكثر مما خسر في حرب تموز. وفي كل يوم يحتل فيه القصير سيخسر أكثر.

بالنهاية، ينفذ حزب الله بدماء شباب لبنان استراتيجية إيران بتعزيز موقف النظام السوري التفاوضي في جنيف2 ، وكسب مزيد من الوقت، بدون أن يلحظ الحزب أن نتيجة التفاوض هي رحيل حليفه الأسد سلما على الطريقة اليمنية، أو إن فشلت فحربا على الطريقة الليبية. وفي الحالين، لن تمحى العداوة التاريخية التي صنعها نصرالله، ليس بين سورية ولبنان، بل بين السنة والشيعة عموما.

يدرك نصرالله أن فلسطين رفعت زعماء وخفضت آخرين؛ وقد ارتفع هو وحزبه بسبب تبني قضيتها والقتال في سبيلها. واليوم، يعرف الحزب أن تأييده يقتصر على البعد الطائفي.

بعد رحيل الأسـد؛ سواء بحل سياسي في جنيف، أو بحل عسكري من خــلال رفــع حظر السلاح النوعي عن الثوار واستخدام الضربات الجوية، ماذا سيقول حسن نصرالله لأمهات القتلى وأطفالهم؟ لقد سقطوا دفاعا عن مقام زينب، أم عن ظهر المقاومة؟ ماذا سيقول لضحايا الحرب المذهبية التي أطلق شرارتها؟ الحكاية واضحة لا تحتاج حديثا.




اليمن وشبح الطائفية السياسية
نبيل البكيري
نبيل البكيري
مع تصاعد وتيرة وحدّة الصراع الدائر في سوريا ودخوله مرحلة أكثر تعقيداً، بفعل البعد الطائفي الذي أضفاه دخول حزب الله اللبناني على خط القتال هناك ثم انجرار المليشيات الشيعية العراقية لهذه الحرب، ناهيك عن وقوف دولة إقليمية كإيران -التي تقدم نفسها ممثلةً للشيعة في العالم- على رأس هذه الجبهة، كل هذا عزز من حقيقة تبلور مسمى "الطائفية السياسية" وبروزها على أرض الواقع كإحدى حقائق اللحظة السياسية العربية الراهنة بامتياز.
لم يكن لهذا المصطلح (الطائفية السياسية) الحديث التداول في عالم السياسة من وجود، إلا في حدود ضيقة، في عقود ما قبل قيام الثورة الإيرانية 1979، ليغدو بعد الغزو الأميركي للعراق 2003 أكثر المصطلحات تعبيراً ودلالةً عن اعتمالات مفاعيل السياسة على الساحة العراقية، وإن كان قد ظهر قبل ذلك بشكل أقل وضوحا في حالة الاقتتال الأهلي في لبنان (1975-1988)، تلك الحرب التي تمت بموجبها شرعنة الطائفية السياسية بلبنان بموجب اتفاقية الطائف.
وبدخول القوات الأميركية للعراق وسقوط بغداد في أبريل/نيسان 2003، وما مثله هذا السقوط من بداية فعلية لتطبيق إستراتيجية صراع الأفكار في الشرق الأوسط، التي كان قد بشر بها العديد من صناع القرار الأميركيين وعلى رأسهم مشرف الإستراتجية المباشر بول بريمر، كان اليمن هو الآخر على موعد مع هذه الإشكالية بتفجر الصراع بين القوات الحكومية اليمنية ومجاميع الداعية الزيدي "الشيعي" حسين بدر الدين الحوثي في جبال مران في يونيو/حزيران 2004.
ماهية الطائفية السياسية
الطائفية السياسية هي نمط من التحيزات السياسية البحتة، بغطاء مذهبي أو ديني، يلجأ إليها بعض الزعماء السياسيين الذين قد لا يكونون في أغلبهم متدينين بقدر ما يكونون أشخاصا تغلب عليهم الانتهازية السياسية في اللعب على إثارة مشاعر الناس الطائفية من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.
وللطائفية السياسية صور وأشكال شتى يتمترس خلفها البعض لتحقيق أجندته الخاصة، ويلجأ لها الكثير من الفاشلين سياسياً لتغطية فشلهم باستدعاء عصبية الطائفة أو القبيلة أو المذهب، لمواجهة أي مساءلة قانونية أو منافسة سياسية مع خصومهم.
ويعرف معجم أكسفورد الشخص الطائفي بـ"أنه الشخص الذي يتبع بشكل مُتعنّت طائفة معينة"، ولا يُسمى طائفيا من يعمل لمصلحة طائفته شريطة أن لا يكون ذلك على حساب مصالح الطوائف الأخرى.
لكن ما يُلحظ في المسألة الطائفية هو البعد العقائدي الصارم في نظرتها للمسألة السياسية وكأنها نص مقدس لا يحوز التفكير فيه، بل إن التسليم به كمقدس هو الشيء المسلم به وغير قابل للجدل، مع وضوح بعدها السياسي على كل الأبعاد الأخرى.
ففيما يتعلق بالمسألة الطائفية في اليمن اتخذت هذه المسألة بعداً آخر جديدا بارتباطها بمنتج هذه النظرية السياسية وعرابها الأكبر وهي الثورة الإسلامية الإيرانية ممثلةً بجمهورية إيران الإسلامية، التي بدأت بتنزيل هذه النظرية على مدى العشرية الماضية من عالم التنظير (تصدير الثورة) في تسعينيات وثمانينيات القرن الماضي إلى واقع الممارسة والعمل مع بداية الألفية الحالية بفعل سقوط بغداد وتسلمها من الأميركيين.
لذا نجد مفارقات عجيبة في ثنايا هذه الظاهرة الأحدث في المنطقة، والتي تتمثل في تجميع كل فرق التشيع تحت مظلة الاثني عشرية الحاكمة في طهران، بعد أن كانت عبارة عن فرق متنافرة يكفّر بعضها بعضا على مدى قرون من الزمن كما كان حاصلا بين الاثني عشرية والزيدية الهادوية في اليمن التي تعد الحوثية امتدادها الأحدث، والتي كفر مؤسسها التاريخي الإمام الهادي يحيى بن الحسين المذهب الاثني عشري في فتوى شهيرة له.
ما الحوثية إذن؟
الحوثية كجماعة طائفية تنسب إلى مؤسسها الأول حسين بدر الدين الحوثي، تقول بانتمائها إلى المذهب الزيدي الذي تُعد الإمامة السياسية، أي الحكم، من أهم أصوله العقائدية، وتتفق الزيدية -نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- مع الاثني عشرية في الفكرة أي "الإمامة" وتختلتف معها في التفاصيل، أي الكيفية.
وتقول الزيدية إن الإمامة هي أصل من أصولها، وهي قائمة في آل البيت، من يطلقون عليهم زيدياً بـ"البطنيين" أي ذرية الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب، وما تناسل من ذريتهم إلى قيام الساعة، شريطة خروج الإمام شاهراً سيفه مطالباً بالإمامة، بينما تقول الاثني عشرية إن الإمامة محصورة باثني عشر إماماً ابتداء بالإمام علي بن أبي طالب، وانتهاء بآخرهم محمد بن الحسن العسكري، الذي يؤمنون بوجوده داخل سرداب في مدينة سامراء العراقية حتى اللحظة.
وبالتالي تُعدّ الزيدية -بفعل نظريتي "الإمامة" و"البطنيين"، اللتين جاء بهما الإمام الهادي يحيي بن الحسين، ولا وجود لهما في تراث الإمام زيد بن علي، ولم يقل بهما أحدٌ من تلامذته وأتباعه- بمثابة نظرية سياسية في الحكم، أقرب من كونها مذهباً فقهياً كغيره من المذاهب، ولذا لم يُعد المذهب زيدياً إلا بانتسابه للإمام زيد اسماً فقط، فيما هو نظرية سياسية خالصة سميت بـ"الهادوية"، رغم توصيفها من قبل من جاء بعد ذلك بأنها زيدية الأصول هادوية الفروع.
وعلى هذا الكم من التراث السياسي تقف الحركة الحوثية اليوم وتستند عليه في ادعائها للحكم والسلطان، مضافا إلى البعد الطائفي الممتد شبحه من بغداد ودمشق وبيروت حتى صعدة، بفعل ديناميكية التسيس الإيرانية لمسألة "التشيع"، التي ميز بين نمطين منها المفكر الإيراني الأبرز علي شريعتي في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" في دلالة منه للمعني السياسي للتشيع الصفوي.
ذلك التشيع الذي سخرت له إيران الخمينية اليوم كل إمكانياتها المادية الهائلة في معركتها مع مخرجات ثورات الربيع العربي، بعد أن تسنى لها إخضاع بغداد، وتسلمها عنوة من يد المحتل الأميركي، وإخضاعها لدمشق سياسياً على مدى أزيد من ثلاثة عقود من الزمن تحت رداء بعثية النظام الحاكم، لستر طائفيته العلوية النصيرية الحاكمة في دمشق، ناهيك عن سيطرتها على بيروت تحت ذريعة المقاومة والممانعة.
مستجدات الحالة "اليمنية"
على مدى أزيد من عامين من الثورة اليمنية السلمية، والعامل الإيراني يزداد حضوراً وبروزاً أكثر من أي لحظة مضت، بعد أن كان يظهر على استحياء طوال سنوات الاقتتال بين القوات اليمنية الحكومية وجماعة التمرد الحوثية في محافظة صعدة منذ يونيو/حزيران 2004 وحتى مارس/آذار 2010، حيث كانت أصابع الاتهام تشير إلى وجود العامل الإيراني ولكن على استحياء.
حالياً ظهر العامل الإيراني فاعلاً وواضحاً في إسناد هذه الجماعة ودعمها بكل أشكال الدعم والإسناد الإعلامي والعسكري والتسليحي والسياسي، فلم يعد خافياً على أحد هذا الدور الإيراني الكبير في استنساخ تجربة حزب الله اللبناني على الأراضي اليمنية بقوة، مستنداً في ذلك إلى حالة البراغماتية السياسية التي تتمتع بها هذه الجماعة التي هي أقرب إلى جماعة سياسية أكثر منها جماعة عقائدية أيديولوجية.
فعلى مدى الأشهر الماضية وهذه الجماعة تعمل على تجهيز مرقد ومزار كبير في محافظة صعدة شمال اليمن على الحدود السعودية لمؤسسها الأول حسين بدر الدين الحوثي الذي قضى في الحرب الأولى في جرف هناك على يد القوات الحكومية.
فبعد أن ظلت الجماعة تنكر مقتله على مدى السنوات الماضية، ها هي تحصل على جثمانه ربم نتيجةً لصفقة سياسية مع الرئيس هادي ليرسل من خلالها الأخير حسن نواياه، فترسل الجماعة بالجثمان إلى ألمانيا لإجراء فحوصات حمض "دي أن أي"، وتستعد لدفنه في ذلك المزار الذي يقال إنه سيكون من أكبر المزارات الدينية في اليمن التي تكاد تخلو من المزارات الشيعية، التي لا تؤمن بها الزيدية كمذهب فقهي، وإنما يرجع مثل هذا التصرف -بحسب البعض- إلى البعد السياسي للمشروع اتساقاً مع حالة التبعية الحوثية للاثني عشرية في طهران التي تقدس الأضرحة والمزارات.
الاحتفاء الكبير بهذا الحدث يبدو واضحا من خلال رفع لافتات كبيرة تحمل صور وشعارات المؤسس الأول حسين الحوثي لأول مرة في أكثر من ميدان من ميادين العاصمة صنعاء، وبعض المدن الأخرى، كل هذا أدى إلى نوع من الاحتقان في أوساط اليمنيين، الذين درجوا على مدى سنوات على وصم هذا الرجل بالمتمرد والمخرب، كما تطلق عليه وسائل إعلام السلطات الرسمية، فإذا بهم يتفاجؤون به بطلا وقائداً وشهيداً كما هو مكتوب على تلك اللافتات التي ترفع اليوم في كل الميادين، في حين هناك آلاف الجنود وعشرات الضباط الذين سقطوا في تلك الحروب لا يزال بعضهم مفقوداً جثمانه حتى اللحظة.
العودة إلى الماضي مجدداً
الاحتقان المذهبي في تاريخ اليمن المعاصر كان أحد إفرازات الصراعات السياسية لا المذهبية بين الفاعلين السياسيين من مختلف المذاهب الفقهية الموجودة في اليمن، لكن الذي لم يكن معروفاً، كما هو كائن الآن، هو البعد العقائدي للمسألة السياسية التي كان اليمنيون قد أعادوا تعريفها وفقا لشروط التحولات السياسية الحديثة، متمثلاُ بثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 قبل أكثر من خمسين عاماً.
صحيح أن البعد العقائدي للمسألة السياسية كان قد تم تجاوزه أيضاً من قبل بعض علماء المذهب الزيدي منذ عشرين عاماً بفعل فتوى تاريخية الإمامة، تلك الفتوى التي أتت استجابة لتطورات تلك اللحظة السياسية المتمثلة بإعلان الوحدة اليمنية في مايو/أيار 1990، وتبني التعددية السياسية والثقافية وحرية الرأي والتعبير، إلا أن الإشكالية اليوم تكمن في تلك الوثيقة الفكرية التي أعلنت عنها الجماعة الحوثية في بداية عام 2012، والتي أعادت تعريف المسالة السياسية وفقاً للنظرية العقائدية للمذهب الزيدي القائلة بوجوب الإمامة (السلطة السياسية) وحصرها في البطنيين أي ذرية الحسن والحسين أو من يطلق عليهم الهاشميين في اليمن.
الإحماء الطائفي المتأجج
تكمن خطورة الوضع الحالي في اليمن، ليس بفعل تطوراتها على الساحة اليمنية، فتوازنات القوى السياسية وبراغماتية المجتمع اليمني بقبائله وقواه المختلفة، ناهيك عن لعبة السياسة الحاضرة بقوة، كل هذه عوامل لا تدعو للخوف، بقدر ما يكمن الخطر بدخول البعد الخارجي إيرانياً، وسعودياً بدرجة أقل، المؤجج للصراع على أكثر من محور وصعيد من العراق مروراً بسوريا وصولاً حتى لبنان.
انعكاسات هذا الإحماء بادية هي الأخرى للعيان بفعل كثير من التسريبات التي تقول إن ثمة مجاميع حوثية يتم إرسالها هي الأخرى للقتال في القصير وسوريا، هذا ما عدا الحديث المتكرر عن صفقات أسلحة يتم تكديسها من قبل جماعة الحوثي وحلفائها في عدد من المناطق اليمنية، فضلا عن تلك التي تم احتجازها أكثر من مرة من قبل أجهزة الأمن اليمنية كسفينة "جيهان 1" الإيرانية وغيرها الكثير.
لكن يبقى الأكثر قلقاً اليوم هو تحول معظم الأقليات الشيعية في العالم العربي إلى مجرد ورقة ضغط وتهديد سياسي ومسلح في يد إيران، ناهيك عن استساغة القوى الدولية -كالولايات المتحدة وغيرها- لهذا الدور الذي باتت تلعبه هذه الأقليات، وما موقف هذه القوى من الأزمة السورية الحالية إلا دليل واضح على مثل هذه السياسة المفضلة من قبل إيران وخصومها المزعومين غربياً.
 الجزيرة نت





وضاح خنفر


تدخل الثورة السورية عامها الثالث مضرجة بدماء ٧٠ ألف قتيل، مثقلة بأعباء مليون لاجئ، محملة بأوزار التفكك المجتمعي، وجيل كامل من الضياع، ومشاهد عنف أسطوري، وإرهاب دولة غير مسبوق، ولكن الأسوأ لم يأت بعد، فإن لم يسقط نظام الأسد في دمشق سريعا، فإن الصراع سيشعل المنطقة بأسرها، ويحيلها إلى حزام دموي متصل من البصرة على ضفاف الخليج إلى بيروت على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
 وفي الوقت الذي تبدي فيه بريطانيا وفرنسا نيتهما المضي في تسليح المعارضة السورية، وكسر حظر السلاح الأوروبي على تزويد الأطراف السورية بالسلاح، ينبغي أن نشير إلى أن هذه الخطوة لن تكون كافية إلا إن جاءت في سياق إستراتيجية حاسمة لإسقاط النظام، وهذا غير متوقع، لأن القوى الغربية تتبنى إستراتيجية تحقيق ما تعده (توازنا موضوعيا) بين الثوار والنظام، لإجبار الطرفين على التفاوض.
وبما أن النظام قد صعد مؤخرا باستخدامه لصواريخ سكود، وبما أن روسيا وإيران مستمرتان في تزويد النظام بالأسلحة، فقد ظن البريطانيون والفرنسيون أن تزويد الثوار ببعض الأسلحة قد يعيد التوازن المزعوم إلى سابق عهده، ويضغط على النظام باتجاه التفاوض مع المعارضة.
مبدأ التوازن الموضوعي الذي تنتهجه القوى الغربية أملا في دفع الجانبين إلى تسوية سلمية لن يسهم في وقف العنف، ولن يصل إلى تسوية قريبة، بل يمنح النظام مزيدا من الوقت ويفتح المجال نحو عنف أنكى وأشد، وهو ما سيدفع باتجاه ما هو أسوأ: توسع رقعة الصراع لتشمل المنطقة بأسرها.

 هناك أسباب عديدة تدفع نحو توسع الأزمة السورية وانتقالها إلى الجوار الإقليمي، فالمشرق العربي أكثر مناطق العالم تنوعا مذهبيا وعرقيا ودينيا، وبسبب من الإرهاب الدموي للنظام الطائفي السوري، والدعم الروسي والمدد الإيراني المتزايد لنظام الأسد، في مقابل التردد الأميركي والأوروبي، وارتباك الدول العربية في موقفها من أطراف الثورة السورية المتعددة، فإن الأزمة السورية تتعمق وتزداد تشددا.



وبالتالي فإن امتدادها الإقليمي أصبح مسألة وقت، وهو ما يدفعنا إلى القول بأن العام الثالث للثورة سينتقل بالأزمة السورية لتصبح صراعا مفتوحا عابرا للحدود في أكبر تحد لاستقرار المنطقة منذ أن رُسِمَت حدودها الحالية قبل قرن من الزمان في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
 انتشار الأزمة السورية سيصل إلى لبنان الأكثر التصاقا بسوريا، فالأطراف السياسية في لبنان منخرطة بالفعل في الأزمة السورية، فالمحور الإستراتيجي الممتد من طهران عبر بغداد ثم دمشق وصولا إلى حزب الله في لبنان، يعتبر أن سقوط نظام الأسد سيعيد رسم التوازنات الإستراتيجية في المنطقة، وهو ما دفع حزب الله ليكون أول الأطر اللبنانية انخراطا في الأزمة السورية من خلال الدعم السياسي واللوجستي لنظام الأسد، مما دفع بأطراف لبنانية أخرى إلى دعم الثورة السورية.
 ولذلك فقد وصل لبنان بعد عامين من الشد والجذب أعلى درجات التوتر والاستقطاب، مما يرشحه لأن ينفتح على الأزمة في سوريا بكل ما فيها من عنف دموي وصراع مذهبي.
 ورغم خطورة اشتعال العنف في لبنان، فإن التطور الأشد فتكا سيكون في اتساع الصراع نحو العراق، وهو أمر بدأنا نشهد مظاهره من خلال الارتفاع المتزايد لوتيرة الصراع السياسي بين حكومة المالكي ذات البعد الطائفي والداعمة لنظام بشار الأسد، وبين كل من المحافظات ذات الغالبية السنية وإقليم كردستان العراق.
ويبدو أن الاحتجاجات المتواصلة منذ ثلاثة أشهر في مناطق السنة قد وصلت إلى طريق مسدود، فحكومة المالكي لم تستجب لمطالب المتظاهرين بمزيد من التوازن الطائفي في بغداد، بل تصعد من قمعها للمحتجين، وتدفع باتجاه خيار العنف، مما ينذر بانفتاح الساحة العراقية على دورة عنف دموي جديدة، ستجد في العمق السوري المشتعل امتدادا طبيعيا لها.
والعراق الذي لم يتعاف بعد من جراح الحرب الأهلية التي مزقت وحدته الوطنية في الأعوام ٢٠٠٧-٢٠٠٩، مرشح لكي ينتقل بالصراع الطائفي في المنطقة إلى مستويات غير مسبوقة من العنف، وستجد حينها الدول المجاورة كإيران وتركيا ودول الخليج العربي نفسها منخرطة بطريقة أو بأخرى في هذه الدورة المدمرة، فالصراع على العراق لن يكون على موارده النفطية الهائلة فحسب بل سيكون صراعا على روح الشرق الأوسط القادم، وهو الذي سيحدد أوزان القوى الإقليمية ويرسم خريطته السياسية القادمة.
الإجابة على ذلك تكمن في كيفية تصرف القوى الإقليمية والدولية في الشهور القليلة القادمة، والبداية في أن تتلافى الولايات المتحدة أخطاءها الإستراتيجية وتحسم أولوياتها باتجاه إسقاط فوري للنظام في دمشق.
ومع أن التدخل العسكري المباشر غير مرحب به، فإن المطلوب هو إمداد الثورة السورية بالسلاح النوعي اللازم، مع تفادي الدخول في معارك جانبية مبكرة حول موازين القوى المحلية السورية في ما بعد سقوط بشار.
لقد ارتبكت الإدارة الأميركية في تعاملها مع الشأن السوري، وترددت في حسم الصراع في العامين الماضيين، فمنعت دخول أسلحة نوعية للثوار في سوريا متعذرة بعدة اعتبارات، من بينها تخوف واشنطن من سيناريوهات ما بعد الأسد، واحتمالية وصول إسلاميين للحكم في دمشق المجاورة لإسرائيل.
كما أن أميركا لم ترد أن تصل هذه الأسلحة إلى (الأيادي الخطأ)، في إشارة للجهاديين والجماعات المتعاطفة مع القاعدة، هذا التردد الأميركي كان كارثيا، لأنه لم يتمسك بأولوية إسقاط النظام السوري باعتباره نظاما إرهابيا فعليا يقتل ويدمر ويغتصب، في سبيل التخوف من إرهاب محتمل، في وقت كانت الثورة السورية فيه بعيدة تماما عن تأثير القاعدة أو أية جماعات جهادية محسوبة عليها.
لقد أدى شعور النظام السوري بالأمن النسبي إلى رفع وتيرة العنف ضد المدنيين إلى مستويات غير مسبوقة، وبسبب من التردد الدولي في دعم الجيش السوري الحر ومجموعاته الثورية المعتدلة بدأنا نرى ازديادا للعناصر الجهادية، وهو أمر متوقع، تمليه حالة البطش والقتل والاغتصاب التي مارستها قوات النظام.
وليس مستغربا أن يستنجد ضحايا البطش بأي كان للدفاع عن أنفسهم، وبعد أكثر من عام على انطلاقة الثورة السورية بدأنا نلحظ نشاطا متزايدا لمجموعات جهادية وصولا إلى جماعات فاعلة على الأرض، مثل جبهة النصرة التي أدرجتها الولايات المتحدة مؤخرا على قائمة الجماعات الإرهابية.
القرار الأميركي كان خاطئا، لأنه حول أنظار المجتمع الدولي والقوى الإقليمية من أولوية إسقاط النظام إلى أولوية محاربة التنظيمات الجهادية والتخوف من انتشارها، مما أربك صفوف الثورة وصفوف الداعمين لها.
ومع ذلك فإن جبهة النصرة التي استفادت من هذا التصنيف الأميركي وصارت أكثر قوة، لم تكن قد ارتكبت من الأفعال (الإرهابية) ما يستدعي هذا التوجه الأميركي، فقد حافظت في أدائها الميداني على قدر أكثر انضباطا من الجماعات المحسوبة على القاعدة في بلدان أخرى مثل العراق، ولم تدخل في نزاعات مع المجموعات المسلحة الأخرى ولا مع السكان المحليين بمن فيهم الأقليات المسيحية والدرزية والعلوية.
غياب الإستراتيجية الواضحة في التعامل مع الثورة السورية أرسل رسائل متناقضة لدول الإقليم، فانطلقت بعض الدول المتخوفة من (الخطر الإسلامي) في إستراتيجية تسليح جماعات صغيرة غير ذات شأن على الساحة السورية، مع أن الغالبية العظمى للجماعات الفاعلة على الساحة ذات مرجعية إسلامية معتدلة، وبدأنا نشهد اختلافات في وجهات النظر حول من ينبغي تزويده بالدعم والسلاح ومن ينبغي محاصرته، كل ذلك يصب في مصلحة النظام السوري، ويزيد مرارة الثوار ويدفع باتجاه مزيد من العنف.

ولذا فإن أهم ما ينبغي على دول الإقليم عمله توحيد موقفها من أولويات التعامل مع الشأن السوري، فإسقاط النظام سريعا هو الخطوة الوحيدة الكفيلة بوقف مسلسل الانحدار نحو عنف لا يعلم إلا الله حدوده، أما الانشغال بمخاوف جانبية حول مرحلة ما بعد بشار، ومحاولة التدخل في موازين القوى السياسية والعسكرية لمجموعات الثوار، بقصد تهميش فريق ما والدفع بفريق آخر، فلن يخدم أحدا، ولن يدفع إلا في مصلحة النظام السوري وسيناريو الفوضى والصدام الطائفي الشامل.




لظالم والمظلوم في اليمن!
وجهة نظر حول أسباب نشوء حركة الحوثية [2]
ناصر يحيى

[1]
 تحديد زمن بدء المظلومية الزيدية (أي: إقصاء الزيدية، إلغاء المذهب، واستهداف الهاشميين) اختلف من مصدر إلى آخر بحسب علاقاته السياسية وقربه أو بعده عن النظام السابق، فبعضهم يعيدها إلى ثورة 26 سبتمبر 1962، التي أسقطت النظام السياسي (الزيدي) ، وآخرون يجعلون بدايته مع عودة الشيخ مقبل الوادعي من السعودية إلى اليمن أواخر الثمانينيات، وبعضهم مع صعود تيار الإخوان المسلمين وانتشار المعاهد العلمية، وبعضهم يجمع بين كل هذه الأسباب المفترضة. لكن جميع هذه الأسباب (الاتهامات) تصب في مجرى واحد ملخصه: الزيدية تعرضت كمذهب للإقصاء والتهميش، والزيدية كأفراد تعرضوا – يشيرون الى المواطنين وهم يقصدون الهاشميين الحكام - للإبعاد والإقصاء، والإهانة، وتم تحريض الدولة ضد الهاشميين، وإقصائهم، واستحلال دمائهم! وفي هذا الإطار عزف الجميع على هذا الوتر بجنون، واستخدموا كل ما يقدرون عليه من وسائل التلفيق، والمبالغات، وتحوير الحقائق لصنع مشكلة جديدة اسمها (مظلومية الزيدية) ، وجعلوا من حروب صعدة (هولوكست) يمنية صاروا يبررون بها كل الأفعال والممارسات السلبية للحوثيين!
 [2]
 الحديث عن المظالم، والظلمة، والمظلومين في تاريخ اليمن منذ وصلها الهادي يحيى بن الحسين (284هـ) سيكون مفيدا في وضع الأمور بصورة أقرب لما حدث فعلا. فمن كان ظالما ومن كان مظلوما؟ ومن أقصوا ومن همشوا في بلدهم، وفرض عليهم أن يعيشوا رعية خداما للحكام والأسياد؟ وأي مذهب تعرض للتهميش والإقصاء؟ ومن هم اليمنيون الذين أهينوا في مذاهبهم وفرض عليهم ما لا يؤمنون به؟ لو استعرضنا بعض أحداث التاريخ سريعا لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة؛ فسنضع اليد على بانوراما طويلة عريضة من المظالم التي تمت على أساس مذهبي، ويبقى فقط أن نستنتج: من الظالم ومن المظلوم؟
ولأن الحديث هنا يقصد به مناقشة أقاويل وادعاءات بشأن اضطهاد الزيدية والمذهب الزيدي والهاشميين؛ فالأمر يقتضي العودة إلى بداية علاقة اليمن بهذه المنظومة الثلاثية منذ دخول الهادي إلى اليمن وحتى الوقت الحاضر. ولترتيب الحديث، فنبدأ أولا من وصول الهادي وحتى بداية الدولة الهادوية اليحيوية، التي استلمت الحكم من الأتراك، ويفترض فيها أنها دولة وطنية ولست دولة مذهبية، فنخصها بحديث لوحدها، ثم نختم باستعراض المظلومية المزعومة منذ قيام ثورة سبتمبر وحتى الآن؛ لنرى من كان الظالم والمظلوم، والمقصي والمهمش، والمهان في بلده!
لا نظن أنه يمكن بسهولة إنكار أن الدخول الهادوي إلى اليمن لم يكن سابقا للجميع، حتى يحاول أتباعه منح أنفسهم حصانة خاصة وامتيازا أخص (مثل الحرص على القول إن المذهبين الشافعي والزيدي هما الأساس في اليمن والآخرين محدثون وطارئون)، فلم يكن اليمن دار كفر، وكان فيها بالتأكيد مذاهب ودول وكيانات محلية تدين بالإسلام ولها مذاهبها، وظهور الدولة الهادوية كان على أنقاض أو مزاحمة دامية لتلك الكيانات والدول والمذاهب. فألا يجوز هنا أن يقال أيضا إن الهادوية والهادويين أقصوا من قبلهم، وأرادوا الحلول محلهم، واعتدوا على مشاعر قطاع واسع من اليمنيين رفضوهم وحاربوهم، لأنهم غرباء فرضوا أنفسهم بالقوة؟
[وللتاريخ نشير هنا إلى أن خلاف المؤرخ الشهير "أبو الحسن الهمداني" مع الهادويين الحكام كان نتيجة ما وجده الهمداني بأنه إقصاء لليمنيين بسبب النظرية السياسية الهادوية التي تحصر الحكم في سلالة معينة، بالإضافة إلى ما مثلته الدعوة الهادوية من سيطرة عناصر غير يمنية وافدة من خارج اليمن، وممارسة الأئمة لسياسة تمييزية باعتمادها على الوافدين في الكثير من شؤون القضاء والإدارة، واستخدام اليمنيين في الأعمال العسكرية لتأمين سيطرة الدولة في مناطق التمرد والقتال. وكما يحدث اليوم اتهم الهمداني بأنه سبّ الرسول وآل البيت لمجرد أنه انتقد الحاكم الهادوي، وحصرهم السلطة في ذريتهم! وتعرّض للسجن والتشرد.(لمزيد من الاطلاع على هذه القضية يمكن مراجعة كتاب د. محمد زيد: معتزلة اليمن.. دولة الهادي وفكره، ص131 وما بعدها.)].
فمن الذي تعرّض للإقصاء والتهميش هنا؟ بمعايير الهادوية: هم الذين أقصوا وهمشوا وأحلوا أنفسهم بدل أبناء البلد!
 [3]
 في الجانب العسكري، ظل الحكام الهادويون معظم فترات حكمهم يخوضون المعارك والحروب ضد الآخرين وضد بعضهم بعضا. أي لم يكونوا خلالها مستضعفين أو مظلومين؛ بل يمكن القول بثقة إنهم زجوا باليمن في أتون لاهبة من الحروب والدمار، وارتكب الأئمة بدءا بالهادي من الجرائم في حق اليمنيين ما تزخر به الكتب، بل ما يتفاخر به مؤرخو الهادوية أنفسهم، والذي يقرأ كيف عامل الهادي اليمنيين المتمردين عليه يقشعر جسمه من هول العذاب الذي أنزله بهم (سيرة الهادي)، ومن بعده مارس الأئمة سياسة التنكيل بخصومهم بما ينهي أي ادعاء بوجود مظلومية زيدية في تلك العهود، وعانى اليمن بسببهم كما عانى من الملوك الآخرين. واقرأوا شهادة د. أحمد المأخذي عن حكم الأئمة بعد أن تحدث عن الحكام الآخرين الذين عانت البلاد من عسفهم وظلمهم (وإذا كان هذا حال جهات مختلفة من اليمن بعد انفصال هذا الإقليم عن الدولة العربية، في نهاية القرن الثالث الهجري، فإن المناطق الزيدية لم تكن بأقلّ سوءا من المناطق الأخرى، فقد تنافس الأئمة في ما بينهم على الإمامة، وشن المتنافسون دائما وأبدا حروبا ضد بعضهم البعض. وهذا التنافس والصراع على السلطة جعل البلاد غير مستقرة، وغير آمنة..) [منهاج الوصول إلى معيار العقول في علم الأصول، ص24-25 ]. ويمكن أيضا مراجعة كتاب "دولة الهادي وفكره" للدكتور محمد علي زيد للاطلاع على الحالة المأساوية التي نتجت عن حروب الهادي للتمكين لسلطته.
وفي المراجع الهادوية أحاديث عن مئات المعارك التي خاضها الهادي وأبناؤه وأحفاده، وذريته ضد منافسيهم وضد بعضهم بعضا. وخلالها كانوا يحرقون القرى، ويدفنون الآبار، ويحرقون الزروع والثمار، ويقتلون بلا حساب. فمن كان الظالم والمظلوم؟
ألم يفرض الأئمة نظريتهم السياسية في الحكم والسلطة على غير المؤمنين بها من غالبية اليمنيين؟ وهي النظرية التي جلبت من المصائب على اليمن ما لا يعلم تفاصيله إلا الله تعالى. وفي بعض العهود فرضوا اجتهادات – أو هكذا سموها!- غريبة على الرعية في المناطق التي لا تؤمن بمذهبهم، مثل اعتبار الأراضي التي كانت تحت سيطرة العثمانيين أنها أراض خراجية، أي يعامل سكانها مثل غير المسلمين! ومثل فتوى الإمام المؤيد بن القاسم الذي كان يرى أخذ زكاة السوائم دون النصاب التام، ثم جاء بعد الإمام المتوكل إسماعيل (صاحب الفتوى السابقة) فأمر ألا تؤخذ الزكاة إلا من النصاب التام، فتم ذلك في مناطق دون أخرى (أي أنه انتصر للبهائم وكفر بني آدم من أمة محمد!).. وأذكر حكاية ذكرها الأستاذ محمد عبد الوهاب جباري - رحمه الله- ضمن ذكريات نشرتها صحيفة 26 سبتمبر قبل وفاته، أن جباة الإمام يحيى الذين كانوا يذهبون لتحصيل الزكاة في ريمة كانوا لا يجدون شيئا بسبب فقر الناس، فكانوا يفرضون الزكاة حتى على الفناجين والصياصي!
وبصورة عامة، فقد كانت عقيدة الحكام الهادوية مخالفة في معظم أصولها لما كان عليه أهل اليمن الذين كانوا على عقيدة أهل السنة والجماعة؛ باستثناء الإسماعيلية، ومن غير المنكور أن الهادوية كانوا يصفون السنة بأنهم مشبهة ومجبرة، وهذه حكمها عندهم: مرتبة أقرب إلى الكفر والشرك.. فضلا عما شاع في عهود السيطرة الهادوية من هيمنة الفكر الجارودي الذي يطعن في صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ناهيكم عن عامة السنة من غالبية أهل اليمن، وقد كانت هذه الظاهرة شائعة، وثار حولها جدل كبير بين العلماء أمثال الشوكاني وابن الوزير في مقابل المتعصبين وأشهرهم الشاعر الهبل!
فمن كان الظالم والمظلوم؟ ومن تطاول على عقائد الناس ومذاهبهم؟
[4]
 من البجاحة التاريخية عند البعض أنه يكثر من الصياح والولولة عما يسميه إقصاء الهاشميين والزيدية (كلاهما بمعنى واحد في هذا المقام، لكن القوم يقصدون المعنى الأول ويوهمون بالمعنى الثاني لاكتساب حماس العامة من الزيدية، وإلا فإن عامة الزيدية من غير الحكام عانوا من الأئمة أيضا الذين اضطهدوهم وأذلوهم وعاملوهم بكبر إبليس مع آدم عليه السلام، فحرموا زواج الهاشمية من غير الهاشمي، وقسموهم طبقات، السفلى منها محتقرة، وبلغ الكبر ببعضهم أنه كان يستنكف ويتأفف أن يسمح للرعية أن يقبلوا ركبتيه وقدميه، وشاعت عبارة: السلام نظر، لإبعادهم عن القدمين الشريفين!).
وفي هذه المرحلة التي نطوف فيها سريعا؛ سوف نجد أن السلطة والثروة كانت لهم في الأساس، فهم الحكام والأمراء حتى في المناطق التي لا تؤمن بمذهبهم وحكموها بالقوة وبالسيف. والذي يقرأ تاريخ الدولة القاسمية سوف يستغرب كيف كان الأئمة وأقاربهم يتشددون في تحصيل الواجبات من العامة، ويسرفون في القتل والتنكيل بكل من لا يستجيب لهم، وفي المقابل فإنهم يتعاملون مع بعضهم بمنتهى الأريحية، فكثيرا ما كان الطامعون في الإمامة يتمردون أكثر من مرة ثم يبايعون ثم يتمردون ثم يتصالحون، وفي كل مرة يعودون يمنحون العطايا والأموال بلا حساب ضمانا لولائهم.. وكان البعض منهم يشترط لتأييد إمام أو التنازل له منحه محصلات المنطقة الفلانية أو عدة مناطق أحيانا فيعطيها له ولأنصاره وجنده .. فتقسمت اليمن بينهم كالكعكة!
 فمن الذي أقصى الناس؟ ومن الذي همش واستولى على الحكم والثروة؟ ومن الذي تجبر وتكبر؟
المصدر أون لاين 




 سوريا … ملحمة الصمود والتضحية –

تمت الإضافة بتاريخ : 03/03/2013


د.محمد بديع  - المرشد العام للإخوان المسلمين


كانت سوريا على مدار التاريخ شريكة لمصر فى الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وقد تزامن الفتح الإسلامي لبلاد الشام مع فتح مصر فى عهد الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم) ليكون الطرفان درع الحماية للمقدسات الإسلامية فى مكة والمدينة وبيت المقدس، ثم صارت (دمشق) بعد ذلك عاصمة الخلافة الأموية فترة طويلة من الزمان امتدت فيها الفتوحات الإسلامية فى شتى بقاع الأرض، وكانت سوريا مع مصر الدرع الحامي للأمة الإسلامية فى صراعها مع الصليبيين والتتار، وفى العصر الحديث كانت مصر والشام محور المواجهة مع عصابات اليهود فى حروب 48، 67، 73، ولولا الخيانات والعمالة للطغمة الحاكمة فى كلا البلدين ما كان للصهاينة وجود في الأرض المقدسة.



وإذا كانت مصر الآن قد تحررت من النظام الفاسد المستبد الخانع –الذي وصفه العدو الإسرائيلي نفسه بأنه كان (كنزًا استراتيجيًا) للعصابة الصهيونية- وما زال النظام السوري الإجرامي القاتل لشعبه يجثم على أنفاس شعبنا السوري الأصيل، ولا شك أنه يمثل –كمثيله المصري السابق– الكنز الباقي لإسرائيل لحماية أمنها ودعم احتلالها لأرضنا العربية المقدسة!



إن التاريخ لن ينسى لهذا النظام خياناته وجرائمه التي ترتبت على تسليم (الجولان) لقمة سائغة للصهاينة في 1967، بل إعلان سقوطها قبل أن تطأها أقدام اليهود وانسحاب الجيش السوري منها، وامتناعه عن تقديم العون للجيش الأردني مما أوقع الضفة الغربية والقدس الشرقية في أيدي اليهود، وكانت هذه الهزيمة المصطنعة هي الثمن للدفع بحافظ الأسد (وزير الدفاع السوري المهزوم) كى يكون رئيسًا لسوريا لمدة ثلاثين عامًا، يجثم هو وزمرته الطائفية على أنفاس الشعب السوري الصامد، ويرتكب فيها أفظع المذابح؛ حيث قتل 18 ألفًا في حماة عام 1982، ثم ينتقل الحكم لابنه (بشار) ليسير على نفس المنهج في تكبيل شعبه وإذلاله وإخضاعه للنفوذ الصهيوني. ومطاردة كل الأحرار في داخل سوريا وخارجها، رغم سماحه للفلسطينيين ببعض الحركة في سوريا ذرّا للرماد في العيون.



حتى كانت انتفاضة الشعب السوري البطل –في أحداث الربيع العربي– لتشهد سوريا من جديد أفظع الجرائم والمجازر يرتكبها النظام الخائن ضد المعارضين السلميين، والذين يمثلون الآن كل الشعب السوري الحر.. شبابًا وشيوخًا وأطفالًا.. رجالًا ونساءً ومدنيين، وشرفاء العسكريين (حيث كان الجيش في معظمه حكرًا على طائفته المنبوذة والملعونة على مدار التاريخ).



إننا نرى الآن كيف تُستخدم أسلحة الجيش الثقيلة. من طائرات ودبابات ومدافع وصواريخ في تدمير المدن الثائرة على رؤوس ساكنيها.. فى حلب وحمص وحماة ودمشق.. أسلحة الجيش التي لم تطلق رصاصة واحدة منذ هزيمة 1967 (45 عامًا كاملة).. تستخدم الآن وبكل ضراوة فى قمع الشعب الحر الأعزل.



وفى نفس الوقت.. يُستخدم جيش آخر من الشبيحة (مثل بلطجية مصر وبلاطجة ليبيا) فى ذبح المعارضين وانتهاك أعراضهم ونهب ممتلكاتهم وتدمير بيوتهم.. أطفال يذبحون بدماء باردة، بشرٌ يدفنون أحياءً أو بعد حرقهم.. تعذيب وانتهاك لعشرات الألوف من المعتقلين.. شبابٌ يجبرون على النطق بكلمة الكفر والسجود لصورة (بشار) فإذا رفضوا ذبحوا ذبح الشياه.. لقد وصل عدد الشهداء إلى ثلاثين ألفا (من شباب وشيوخ ونساء وأطفال) وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمصابين والمعاقين ومئات الألوف من النازحين المهجرين المشردين في بقاع الأرض تحت سمع وبصر العالم المتحضر، ولا زال هذا النظام العميل يزعم أنها أقلية مارقة، وهم يمثلون الشعب السوري الأصيل، بكل أطيافه وفصائله!!



ويظهر التواطؤ الدولي المفضوح –في الشرق والغرب على سواء– فالكل يخشى من انتصار الشعب السوري البطل.. خشية على الكيان الصهيوني الدخيل، والذي يقع بأكمله تحت هضبة الجولان، والكل يخشى من نجاح الثورة في سوريا؛ لأنها في هذه الحالة –بالتعاون مع ثورة مصر الأبية- ستغير موازين القوى في المنطقة بأسرها وستأذن بشروق فجر جديد للعالم العربي والإسلامي.



ولئن كانت الظروف عصيبة، والمؤامرات رهيبة ومتشابكة، والتضحيات هائلة ومؤلمة، فإن سنن الله غلابة، وعقارب الساعة لن تعود للوراء أبدًا، والدماء الزكية لن تذهب هدرًا، بل هي الثمن الغالي للنصر القادم والذي تطل بشائره بعودة الشعب –كل الشعب السوري– إلى الله تعالى عودة خالصة مخلصة، وكلنا  سمعنا ونسمع هتافه الصادق الصادر من أعماق المحنة (يا الله ما لنا غيرك يا الله)، وندرك أن هذه الاستغاثات الصادقة تستنزل رحمات الله وتأييده ونصره، وتشحذ قوى الأمة السورية وطاقاته، فلم تعد هناك مدينة ولا قرية في طول البلاد وعرضها إلا وتوحدت حول هذا الدعاء والنداء والاستعانة بعد أن مزقتها في الماضي القريب دعاوى البعث والقطرية وأكاذيب جبهات الصمود والتصدي!



إن ما يحدث في سوريا –من مجازر يشيب لهولها الولدان– توقظ الشعوب العربية والإسلامية بأسرها، لتعلم حقيقة ما يُحاك لها من مؤامرات محلية وعالمية، وستدفع الجميع لدعم هذا الشعب الصامد البطل بكل ألوان الدعم المادي والمعنوي، مع اللجوء إلى الله تعالى.. رب الكون كله.. الجبار القهار المنتقم، وقد رأينا فعله وآياته ومعجزاته كيف نصرت المستضعفين وأبادت الجبابرة فى كل بلدان الربيع العربى فى أشهر قلائل؛ إنها إرادة من الله سبقت {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِى إنَّ اللَّهَ قَوِى عَزِيزٌ}[المجادلة21]. {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِى عَزِيزٌ * الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الأنبياء : 39-41].



- مطلوب من كل الشعوب مدّ يد العون –بكل ألوانه– إلى الشعب السورى الصامد البطل.



- مطلوب من كل الحكومات الوطنية المختلفة التأييد الدولى والتكاتف، وإيصال العون إلى الشعب الصامد، ومقاطعة ومحاصرة النظام العميل لإسقاطه وتخليص الشعب السورى من ويلاته.



- مطلوب من كل العرب والمسلمين اللجوء إلى الله بصدق وإخبات.. لأنه صاحب الأمر كله {إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس82].



- مطلوب من الشعب السوري البطل وحدة الصف ووحدة الهدف وصدق التوجه إلى الله، فإن نصر الله لا يتنزل إلا على صفٍ مترابط متماسك {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف4]… وليتنبه إلى المؤامرات التى تهدف إلى تمزيقه أو انتهاز الفرصة لإعادة احتلاله بتدخل أجنبي عسكري طامع، وليوقن هذا الشعب البطل أن النصر آتٍ لا ريب فيه، وأن دماء رجاله ونسائه الأطهار لن تذهب هدرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، وإن غدًا لناظره قريب..



(واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)



 …….

 مركز أمية للدراسات 







تموجهة نظر حول أسباب نشوء الحركة الحوثية [1]



ناصر يحيى                                                                                                                  
 [1]





لم تعد الحركة الحوثية (بأبعادها المذهبية والثقافية وتمدداتها العسكرية) وبعد قرابة سبع سنوات على ظهورها الصاخب؛ مجرد طائفة دينية/ مذهبية بالمحددات المعروفة لهذا النمط من التنظيمات البشرية المهتمة بإحياء شعائر دينية وطقوس مذهبية تعرضت للاندثار والإلغاء والحرب! وبالنظر إلى الوضع العام الذي صارت عليه الآن كقوة عسكرية مهيمنة، ولاعب سياسي لم يعد يكتفي بالنشاط في المناطق المعروفة تاريخيا بأنها: زيدية الهوى، وتتشيع صخورها للأئمة الحكام باعتبارهم هم الإسلام، ولا يستقيم ولا يصح إيمان المرء إن لم يؤمن بذلك.. بالنظر لكل ذلك فمن المهم أن نفهم هذه الظاهرة فهما أقرب للصواب في إطار التاريخ اليمني القديم والمعاصر.
لن يكون هدف هذه المقالات مناقشة البناء الفكري/ المذهبي للحركة الحوثية، بل الهدف الأصلي هو تقديم رؤية خاصة للأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى ظهور الحركة الحوثية كما يروج لها المتعاطفون معها والمنافحون عنها.. ففي رأينا أن هناك تعمدا غير منصف، وإصرارا ممنهجا :سياسيا ومذهبيا يعمل على ترويج أسباب عن نشوء الحركة الحوثية يراد بها تزييف وعي الناس، وتلوينها بصبغة البراءة والاستضعاف، استغلالا لحالة الكراهية الشعبية لنظام الرئيس السابق علي صالح الذي دخل معها في حروب ستة؛ فخلال جولات الحروب في صعدة (2004-2010) وحتى الآن نشطت جهات عديدة، وظهرت دراسات وأوراق عمل، وصدرت تصريحات وأقوال لشخصيات سياسية وعلمية؛ حرصت كلها على تحديد سبب أساسي واحد –إن لم يكن وحيدا- لظهور الحركة الحوثية حصرته بما وصفته بأنه: الظلم الذي وقع على الزيدية، والمذهب الزيدي، ورموز المذهب من الهاشميين من أبنا، البيت النبوي، واستهدف: إقصاء الزيدية من اليمن، وإلغاء المذهب واستبداله بآخر ( الوهابية تحديداً)، والتضييق على الهاشميين وإقصاؤهم في كل مكان.. أو ما يمكن إيجازه في عبارة: (حدوث مظلومية تاريخية للزيدية).. مما كان سببا للتمهيد وتوفير الأرضية لظهور الحركة الحوثية!
فما مصداقية القول إن الحركة الحوثية هي رد فعل مشروع لمظلومية عانى منها الزيدية، والمذهب الزيدي، والهاشميون تحديدا في اليمن؟
وما صحة وجود مظاهر هذه المظلومية كما يروج لها؟ وما حدودها الزمنية؟

وما الأطراف المتآمرة التي شاركت في إنزال هذه المظلومية بهؤلاء المظلومين المستضعفين(!) واستهداف مذهب إسلامي(!) والعمل على اقتلاعه من بيئته التاريخية، وإلغائه من الوجود خدمة لمخططات خارجية؟
هذه تقريبا أبرز الأسئلة التي سنحاول أن نناقش الإجابات الشائعة عنها التي يروج لها من أكثر من طرف وجهة.
[2]
قبل أن نبدأ خلال الأسابيع القادمة مناقشة مدى صحة أو عدم صحة وجود (مظلومية زيدية) في اليمن التي عبرت عنها الأسئلة السابقة، ووضع الأقاويل والاتهامات تحت مجهر النقد والتأمل.. قبل ذلك يستحسن أن نضع بعض الضوابط أو المحددات التي نرجو أن يناقشنا من يريد أو يحاكمنا من يرغب على أساسها، وليس على أساس ما يفرضه علينا من مصطلحات، وبالطبع من حقه أن يرفض ما نفهمه ولكن لا يجوز أن يتهم بواطننا، ويرفع عبارة: (أهل البيت أدرى بما فيه). والمقصود هنا أن هناك مصطلحات وعبارات مذهبية وتاريخية يجب ضبطها أو بيان رؤيتنا لها أولا قبل الدخول في صلب الموضوع، لكيلا تنحرف نقاشاتنا عن صلب الموضوع إلى اتهامات ومكايدات. وهي على النحو التالي:
 أولا/ نؤمن أن هناك فرقا جوهريا بين الفكر الزيدي (أو المذهب العقائدي) الذي آمن به الإمام زيد بن علي –رضي الله عنه- وبين المذهب الفكري/ العقائدي للإمام الهادي يحيى بن الحسين في الأصول؛ وأن الإصرار على الانتساب للإمام زيد من قبل هادوية اليمن ليس ملزما لمن لا يقتنع به، ومن ثم فإن انتقاد ورفض الفكر الهادوي، وبغض الظلمة والمتجبرين من الحكام الهادويين وممارساتهم السيئة وجرائمهم، ومظالم دولتهم في حق اليمن واليمنيين (كما هو مسجل في تاريخ اليمن وذائع ومشهور في ذاكرة اليمنيين) لا يعني ألبتة عداءً لأعلام آل البيت النبوي الشريف الأوائل –من لدن الإمام علي بن أبي طالب وحتى الإمام زيد بن علي رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك من تبعهم في الفضل والعلم والتقوى من شتى البقاع ومن أتباع جميع المذاهب- أو يعني رفضا أعمى لمذاهبهم واجتهاداتهم، أو عدم احترامهم وحبهم بحكم قرابتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وبحكم الأخوة الإسلامية التي تفرض ذلك.. فنحن نفرق بين هؤلاء الذين عرفهم تاريخ اليمن وبين أولئك الذين تزين بهم تاريخ الإسلام،وكانوا فيه مصابيح هدى وعلم.
وبناء على ما سبق فإن التوصيف الدقيق –في رأينا وكثيرين غيرنا- أن الهادوية ليست هي الزيدية، لكن طالما القوم يصرون على وصف أنفسهم بذلك فلا مانع من استخدام (المصطلح) لكيلا يطغى الخلاف حولها على النقاط الجوهرية الأخرى، مع الانتباه للاحتراز الذي أوردناه عن المفهومين. وهكذا، فكلما ورد مصطلح (الزيدية) هنا فالمقصود به ما يتعلق بالدولة الهادوية وحكامها وفقهائها وهي الدولة التي تأسست 284هـ وسقطت سياسيا عام 1962 (1382هـ). (إلا إذا كان السياق يدل على غير ذلك).
ثانيا/ لكي يمكن فهم ما حدث في إطار تاريخ الدولة الهادوية منذ 284هـ وحتى الآن بطريقة دقيقة في رأينا؛ فينبغي التعاطي مع الأمر بالمستويات الآتية كما نفهمها ونؤمن أنها الطريقة الأقرب للصواب والدقة في توصيف الأمور والأشخاص والأفكار والأحداث:
أ‌- هناك مذهب فقهي أسسه الإمام الهادي يحيى بن الحسين، وتبعه فقهاء كثيرون بعده زادوا فيه أو اختلفوا معه أحيانا حتى صار هناك: 1- رأي أو فقه المذهب، 2- رأي أو فقه الإمام/ الهادي.. فضلا عن 3- رأي أو فقه الإمام زيد. وهذا المذهب المسمى المذهب الزيدي ( الهادوي) هو في الجملة مذهب فقهي (أي يهتم بمسائل العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، والحدود إلخ، وهو أشبه بالمذاهب الفقهية الأخرى: الشافعية، والحنفية، والحنبلية والمالكية، وغيرها من المذاهب التي لم تحظ بالانتشار في عموم العالم الإسلامي. وبهذا المعنى فلسنا ملزمين بوضع المذهب الفقهي من حيث الإيمان به في درجة واحدة مع الأصول العقدية المعروفة للمذهب الهادوي ذي البنود الخمسة المعروفة وهي: (التوحيد، العدل، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإمامة).. ونخص بالتحديد: مبدأ الإمامة.
ب‌- أصول المذهب العقائدي الهادوي الخمسة المذكورة سابقا.. منها أربعة ذات مضمون فكري/عقائدي تدخل في إطار الخلاف الجائز الذي لا يستدعي تكفيرا متبادلا من المعارضين والمؤيدين، وقد اتفق الهادوية في بعضها مع المعتزلة المتأخرين.. واقترب الجميع من المذاهب الأخرى.
  أما الأصل الخامس في العقيدة الهادوية وهو (الإمامة) وحصرها في البطنين من سلالة علي وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما. فهذا الأصل هو أساس النظرية السياسية للإمام الهادي، وعليه تأسست الدولة الهادوية عام 284هـ، وارتبطت بها الأحداث، والحروب، والمعارك، وسالت من أجلها الدماء، وأزهقت الأرواح طوال أكثر من ألف عام.
ج- وأخيرا.. فهناك الدولة الهادوية، وهي الإطار السياسي الذي جسد النظرية السياسية الهادوية (للدقة: جسد فقط حصر الإمامة في البطنين، أما المبادىء الأخرى فلم يكن حظها إلا كحظ أمثالها في الدول الأخرى!). وقد تداول على حكمها عشرات الأئمة باسم المذهب.
 [3]
وبناء على ما سبق؛ فإنه من المهم من باب الدقة التفريق بين مواقف الناس تجاه هذه المستويات الثلاثة التي ذكرناها.. فرفض الدولة الهادوية لا يعني أبداً رفض المذهب الزيدي /الهادوي الفقهي الذي أشرنا إلى مواصفاته وحدوده، ولا توجد أي علاقة مفروضة بين الجانبين ينبغي الالتزام بها. وبالمثل، لا يلزم الالتزام بالمذهب الفقهي الالتزام بالمذهب العقائدي ذي الخمسة الأصول، تماما كما حدث في عصور أخرى مع المذاهب الأخرى.. فالمعتزلة كانوا أصحاب مذهب عقائدي مشهور ومتين لكنهم في الفقه كانوا في جملتهم أحنافا من أتباع الإمام أبي حنيفة من أئمة أهل السنة والجماعة المخالفين لهم في الأصول، وفي الجانب السياسي لم يكن المعتزلة أصحاب موقف واحد من فكرة الإمامة كما هو الحال عند الشيعة؛ ولم يكونوا على موقف واحد تجاه أحداث التاريخ الإسلامي والجدل والقتال الذي دار حول المستحق للإمامة؛ فمنم من كان مؤيدا لآل البيت ومنهم من كان غير ذلك، بل كان لبعضهم علاقات مع خلفاء من بني أمية مثل مروان بن محمد الذي قيل إنه تتلمذ على يد المعتزلي الجعد بن درهم، ومثل يزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي قيل إنه كان متبنيا لبعض مبادىء الاعتزال، وحمل الناس على القول بالقدر، وقرب أصحاب المعتزلي غيلان الدمشقي الذي قتله هشام بن عبد الملك.. كما كانوا أعوانا ومستشارين لعدد من خلفاء بني العباس قبل المأمون وبعده.


وأهل السنة كانوا كذلك على مذاهب فقهية مختلفة كما هو معروف، وتوزعوا في الجانب العقائدي في إطار ثلاثة مذاهب سنية رئيسية هي: مذهب السلف، والأشعرية، والماتريدية.. وفي الجانب السياسي كان لهم مبادىء تتفاوت في مواقفها إلى حد ما تجاه مسائل مثل الإمامة والخروج على الحاكم.
هذا التفريق الذي نراه ضروريا تجاه المستويات الثلاثة: المذهب الفقهي، المذهب العقائدي، والنظرية السياسية؛ سوف يجنبنا الكثير من المشاكل في محاولة تفسير الأحداث التاريخية وتقييمها، ويحصر الخلافات السياسية في إطارها الصحيح بأنها خلافات سياسية أو حول طريقة استحقاق السلطة بعيدا عن إثارة النعرات الطائفية، وحتى لو كان الزيدية وعموم الشيعة يعدون الإمامة من أصول الدين التي يترتب عليها عند جلهم: كفر وإيمان أو فسوق في أخف الأقوال؛ فإن ذلك ليس ملزما للآخرين ممن يمثلون أغلبية المسلمين.
في التطبيق العملي لهذه الفكرة ؛أي التفريق بين المستويات الثلاثة؛ فلن نعجز عن اكتشاف معقوليتها، فالذين ناهضوا الحكام الهادويين في التاريخ المعاصر لليمن لم يكونوا يفعلون ذلك كرها في المذهب الفقهي أو حتى في مسائل: التوحيد والعدل والوعد والوعيد.. والقبائل التي ثارت ضد حكم بيت حميد بمشايخها وعلمائها لم يكونوا يستهدفون المذهب بما فيه مسائل: الضمن وعدم التأمين، وحي على خير العمل.. بل كان المنطلق هو رفض ظلم الأئمة، وسوء سيرتهم مع الرعية، والتطلع إلى حياة إنسانية أفضل. ( لا يمنع من ذلك أن بعض الحساسيات المذهبية التي ولدتها مظالم الحكام الهادويين كان لها دور، لكن ذلك يبقى محصوراً في بيئة معينة في مناطق معينة، كما هي عند الإسماعيليين الذين يجاهرون بأن عداءهم للأئمة كان بسبب اضطهادهم مذهبيا مئات السنين!).
 ومن باب أولى فإن الصراعات الدامية بين المتنافسين على الحكم من داخل البيت الهاشمي، والتي عرفها تاريخ الدولة الهادوية من أيام أحفاد الهادي حتى ثورة الثلايا، لا يمكن القول إنها كانت صراعا ضد المذهب الفقهي أو الأصول الخمسة وكرها فيها، أو لإلغاء الزيدية واستبدالها بمذهب آخر.. ويؤكد ذلك أن حركة الأحرار اليمنية (وأيضا الأحزاب اليسارية: القومية والشيوعية) ضد الإمامة أو النظرية السياسية للهادوية ضمت في عضويتها كثيرين من العلماء، والمثقفين، والضباط، والشخصيات البارزة من الهاشميين أنفسهم.. فهل كان هؤلاء كلهم أيضا متآمرين على المذهب والزيدية، ويريدون إحلال الوهابية بدلا منها؟
 سأختم حلقة هذا الأسبوع بمثالين؛ فمعايشة العامة في المناطق الموصوفة تاريخيا بأنها زيدية لا تدل على أن هؤلاء في جملتهم فهموا المذهب كما فهمه الهادي والأئمة الفقهاء خاصة بأنه شيء واحد لا فرق بين المذهب الفقهي، والأصول الخمسة، والنظرية السياسية، ولا نظن أن عامة المقاتلين الذين قاتلوا مع الإمام عبد الله بن حمزة ضد المطرفية كانوا يفهمون هذا البعد الثلاثي للزيدية.. وفي كل الأحوال؛ صارت الزيدية في بيئات عديدة مجرد هوية ينتمي إليها الناس، كما تنتمي الشعوب أحيانا إلى مذاهب وأديان بما تربت عليه من الولاء الباطني غير القائم على الدراسة والعلم، وبهذا يمكننا أن نفهم كثيرين ممن يعلنون معارضتهم للأئمة والحوثية ويقولون: أنا زيدي وأرفض الأئمة والحوثيين.. إلخ.
 هذا أولا.. أما ثانيا؛ فقد لاحظت أن الذين يتحدثون دائما – من الفقهاء والعامة- على أنه لا فرق بين المذهبين: الشافعي والزيدي/ الهادوي يعتمدون في المقارنة والاستدلال على عدم وجود فوارق على تشابه المستوى المذهبي الفقهي، وعلى محدودية الاختلافات وهامشيتها؛ مثل المسائل الفقهية الشائعة (نحن نسربل وهم يضمون) أو التأمين أو زيادة عبارة: حي على خير العمل في الأذان.. وهذا الكلام صحيح إذا فهمناه في إطار المذهبين الفقهين، لكنه ليس صحيحا على المستويين الآخرين: أي النظرية السياسية والمذهب العقائدي أو الأصول الخمسة، فهنا تكمن خلافات كبيرة لا يفهمها العامة عادة، وسنجد أن أبرز وأشرس المنافحين عن الإمامة هم من أبناء البيت الهاشمي أو أصحاب المصلحة المباشرة في السلطة.


وللعلامة الوالد/ محمد بن إسماعيل العمراني مقالة قديمة نشرها في بداية الخمسينيات في مجلة (رسالة الإسلام) بعنوان (الزيدية في اليمن) فند فيها القول الشائع بشذوذ المذهب الزيدي عن المذاهب الأخرى، وأكد براءته مما يقال عنه.. لكن الملاحظ أن أدلة العلامة العمراني كلها لإثبات عدم اختلاف الزيدية عن مذاهب السنة اقتصرت أو ركزت على تشابه الجوانب الفقهية، وقواعد أصول الفقه، ولم تتطرق إلى الجانبين الآخرين أي النظرية السياسية والأصول الخمسة حيث مكمن الاختلاف.. وهو كلام صحيح، ويؤكد ما قلناه عن ضرورة التفريق بين المستويات الثلاثة للفكر الهادوي حتى تستقيم الأمور، ولكي نقطع الطريق على من يريد خلط الأوراق من أي جهة للتلبيس على الناس من حيث عدم التفريق بين ما هو علمي وما هو سياسي.
 المصدر أون لاين
]
الثّورة السّوريّة: إدارة المُعطَيا ت    





د. عبد الكريم بكار






د. عبد الكريم بكار 

ليس من الغريب القول: إن الثّورة السّوريّة المجيدة تمثّل واحدًا من أهمّ الأحداث التي وقعت في العالم العربيّ والإسلاميّ عبر التّاريخ، وذلك بسبب حجم التّغييرات الهائلة التي أحدثتها في النّفوس والعقول، وبسبب الآثار التي يمكن أن تترتّب عليها في المستقبل القريب والبعيد... والحقيقة أنّ التّحدي الأساسيّ الذي يواجهنا بعد سقوط النّظام المجرم هو إدارة المعطيات الجديدة، والحفاظ على وحدة البلاد، وحماية نسيجها الاجتماعيّ من التّمزّق. السّؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سيتمّ ذلك، ومن الذي يقوم به؟ ولعلّي أحاول الإجابة عن ذلك في مقاربة أوّليّة غير مكتملة:



1- علينا في البداية أن نعترف أوّلاً، أنّ الآثار الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي علينا أن نعالجها كبيرة وخطيرة، وهذا فيما أظنّ لا يحتاج إلى برهان، لكن يجب استحضاره والعمل من الآن على بلورة صيغ للتّعامل معه.



2- التّحدي الأكبر الذي يحتاج إلى جهد كبير في مواجهته هو بسط الأمن على كافّة ربوع البلاد؛ إذ إنّ من المتوقّع أن يكون لدينا فراغ أمنيّ من شأنه تشجيع أعمال السّرقة والسّطو والثّأر والانتقام، وهذا يقتضي أن يتمّ تدريب من يمكن تدريبهم من كتائب الجيش الحرّ على القيام بأعمال الشّرطة؛ من الحراسة وتعقّب المجرمين ومنْع النّزاعات المسلّحة، وهذا يمكن البدْء به من هذه اللّحظة.


3- النّظام المجرم أثار الكثير من الضّغائن والأحقاد، وأوجد الكثير من الثّارات من خلال الجرائم التي ارتكبها الجيش ومن يسمّونهم الشّبيحة، ومن هنا فنحن بحاجة إلى تشكيل مجالس ولجان تشيع جوّ الطّمأنينة بين كلّ مكوّنات المجتمع، وتجعل الكلّ يشعر أنّ من سيُعاقبون ويُطاردون هم المجرمون من كلّ الطّوائف، وأنّ الأبرياء المسالمين يجب أن يلقوا العناية والحماية مهما كان انتماؤهم الدينيّ أو المذهبيّ أو العرقيّ، وتلك اللّجان يجب أن يتمّ تشكيلها من كلّ المكونات، وأعتقد أنّ هذه الفكرة باتت ناضجة، وربّما شهدت بعض التّطبيقات العمليّة قريبًا.

4- إعادة الإعمار هي الأخرى من التّحدّيات الكبرى؛ إذ إنّ ما لا يقلّ عن 30%من أبنية البلد صار مهدّمًا على نحو كامل أو جزئيّ، كما أنّ البنية التّحتيّة قد أُصيبت بالكثير من الأضرار، وحين نتتبّع الجهود المبذولة على هذا الصّعيد، فإنّنا سنجد أنّ لدينا العديد من المنظّمات والجهات وفرق العمل المهتمّة بهذا الشّأن، لكنّ الملاحظ أنّ التّنسيق فيما بينها شبه معدوم، ممّا يجعل تكرار الجهود وعدم التّركيز من الأمور المتوقّعة، ولهذا، فإنّ من الأهمّيّة بمكان عقد مؤتمر جامع للمتطوّعين في إعادة الإعمار، وذلك من أجل تكوين اتّحاد لهم، وتقسيم العمل عليهم عبر لجان ومكاتب دائمة.

5- حين يكون لديك جياع ومشرّدون وجرحى... فإنّ الاهتمام ينصرف إليهم على نحو كلّيّ، ويتمّ إهمال كلّ ما هو من قبيل التّثقيف والتّدريب والتّأهيل للعمل في خدمة قضايا تتطلّب استعدادات وإمكانيّات عالية! ويؤسفني القول: إنّ معظم مؤسّسات العمل الخيريّ في العالم الإسلاميّ تسلك المسلك  نفسه حين تنفق معظم ما لديها من مال، فيما يُبقى المسلم على قيد الحياة، وليس فيما يرتقي به، ويساعده على الاستغناء عن المساعدة والمساهمة في النّهضة بالحياة العامّة!

إنّ اللاجئين السّوريّين في المخيمات يعانون من فراغ كبير، وكثير منهم نزحوا من قرى نائية لم تنل إلاّ القليل من التّعليم والمعرفة، ومن ثمّ فإنّني أعتقد أنّه يجب تخصيص 7% من جميع الأموال التي يتمّ جمعها من أجل إنفاقها في تثقيف النّاس بشيء من أمور دينهم، وشيء من المفاهيم والأساليب التي تساعدهم على الارتقاء بأنفسهم، وتربية أبنائهم، وفهْم العالم من حولهم... وهذا يتمّ عن طريق توزيع بعض الكتب الجيّدة عليهم، ومن خلال إقامة الدّروس العلميّة، والدّورات التّدريبيّة، وحلقات النّقاش والورش المتخصّصة... إنّ هذا الأمر يستحقّ تشكيل مؤسّسة أو فريق من أجل إنجازه وفْق ما تسمح به الإمكانات والظّروف السّائدة.

6- راج الحديث في الأيّام الأخيرة عن التّفاوض والحوار من أجل إيقاف القتل والتّدمير الذي يمارسه النّظام، ومع أنّني قلتُ منذ البداية: إنّ هذا النّوع من الأنظمة غير قابل للإصلاح ولا فائدة من محاورته، مع هذا أقول: إنّ الثّوار في الدّاخل هم الذين صنعوا الثّورة، وهم الذين يدفعون ثمن استمرارها، ولهذا فإنّه ينبغي أن نشاورهم وننسّق معهم في أيّ مبادرة تهدف إلى إنهاء القتال، وعدم التّنسيق قد يعني شقّ الصّفّ والدّخول في أمور لا تُحمد عُقباها.

إن الثّورة السّوريّة أحدثت في البلد وفي المنطقة ما يشبه الزّلزال، وإنّ تداعياتها ستستمرّ مدّة طويلة، وإنّ من المهم التّعامل مع ذلك بحكمة وشفافيّة ووعي عميق.

الاسلام اليوم 
















إيران.. صورتان
د. محمد جميح

يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي أوقفت قوات حرس الحدود اليمنية سفينة قادمة من إيران مشحونة بأخطر شحنات الأسلحة المهربة إلى اليمن، التي تم الإعلان عن ضبطها حتى الآن، الأمر الذي حدا بوزير الدفاع الأميركي إلى التصريح بأنها من المرات الأولى التي يشهد فيها تهريب هذا النوع من الصواريخ التي يمكن أن تسقط طائرات حربية ومدنية. وتحدث مسؤولون أميركيون ويمنيون عن أن وجهة هذه الأسلحة هي المتمردون الحوثيون في شمال البلاد. سلمت قوة من الحرس الثوري الإيراني السفينة إلى ثمانية من البحارة اليمنيين الذين سلكوا بالسفينة اتجاهات مختلفة، وموهوا وجهتها ومنطلقها أكثر من مرة، وبنيت مستودعات محكمة في قاع السفينة خصيصا لنقل الشحنة المهربة حتى لا يشتبه بها أحد؛ حسب الجانب اليمني. مجلس الأمن بدوره أرسل وفدا لمعاينة شحنة الأسلحة لرفع تقرير للجنة مراقبة الحظر على تصدير إيران أو شرائها أسلحة، وتحدث اليمنيون عن وجود خبراء من حزب الله لتدريب الحوثيين على كيفية استعمال وإعادة تجميع بعض الأسلحة المهربة، خاصة المتفجرات. الأمر إذن خطير من وجهة النظر الأميركية، وهو كذلك في حسابات مجلس الأمن الدولي، كما هو الشأن على جانب جبهة إيران وحلفائها. وعلى الرغم من أن الأمر واضح بشكل يصعب إنكاره، فإن الإيرانيين، كدأبهم، نفوا مطلقا حدوث شيء من ذلك، وأكدوا حرصهم الشديد على سيادة وأمن اليمن في تناقض عجيب بين الأقوال والأفعال.
ومن شواهد التناقضات الإيرانية كذلك أن إيران تقول لليمنيين إنها تحترم الوحدة اليمنية، وإنها تساند يمنا موحدا، ومن حيث الواقع، تعمل إيران على تقسيم اليمن جغرافيا بدعمها بقوة للفريق المطالب بفصل الجنوب عن الشمال في الحراك الجنوبي، الذي هيأت لقياداته في بيروت برعاية وتنسيق من حليفها حسن نصر الله، ثم إن طهران تعمل كذلك على تقسيم اليمن مذهبيا كما هو الحاصل اليوم مع الجهود الحثيثة التي يقوم بها أتباعها في اليمن من أجل توسعة الشرخ المذهبي الذي أحدثته إيران بربط الشيعة الزيدية بأفكار مذهب ولاية الفقيه، مع أن الزيدية في أصولها المعتزلية وفقهها الحنفي أقرب إلى المحتوى الفقهي والفكري السني منها إلى الإمامية في حلتها الإيرانية.
مشكلة إيران أنها لا تزال تتعامل مع ملفات المنطقة بالعقلية التي سادت منذ عام 1979 وخفت قليلا إبان حكم الإصلاحيين في طهران،ومشكلتها أيضا أنها لم تدرك حجم التغير الكبير الذي طرأ على المنطقة سياسيا وأمنيا وثقافيا وإعلاميا، ولم ترصد مياها كثيرة صبت في النهر. السياسة الإيرانية اليوم أصبحت مفضوحة بشكل لم تعد تجدي معه تصريحات لسفير إيران في صنعاء ينفي فيها وجود الشمس في رابعة النهار، أو تصريحات ناطق الخارجية الإيرانية الذي أصبحت كلمة «النفي» ومشتقاتها لازمة من لوازم حديثه، وكأنه مصاب بما يسمى في علم النفس بـ«حالة إنكار». فإيران عند هذا الناطق لا تتدخل في اليمن رغم اعترافات جواسيسه ومهربي أسلحته، وبلاده لا تتدخل في العراق ولبنان رغم أن قاسم سليماني صرح أن العراق وجنوب لبنان تحت سيطرته، والشأن ذاته في الملف السوري؛ حيث لا تتدخل طهران إطلاقا فيه رغم شحنات الأسلحة للنظام في دمشق، عدا الدعم السياسي والاقتصادي الكبير الذي يتلقاه نظام الأسد من إيران، وتنسحب «حالة الإنكار» تلك على موضوع البرنامج النووي الإيراني الذي ينفي الإيرانيون أن يكون للاستخدام العسكري مع أنهم يخبئونه تحت الأرض، وأنشأوه سرا قبل أن يظهر للعلن.
يحكى أن رجلا جاءه جاره يستعير منه حمارا لحاجته إليه، فقال صاحب الحمار: «الحمار غير موجود»، فاقتنع جاره وهمّ بالخروج، وحينها رفع الحمار صوته بالنهيق، فقال الجار: أليس هذا صوت الحمار؟ فرد عليه صاحب الحمار: أتكذبني وتصدق الحمار! فما كان من الجار إلا أن خرج محملا بالخيبة والدهشة التي تنتاب اليمنيين عندما يسمعون نفي إيران لسفن الأسلحة المهربة إلى بلادهم.
وعلى ذكر الحمار، فقد أعلنت إيران قبل أسبوعين أنها تمكنت من إرسال قرد إلى الفضاء، محاكية فعل الروس الذين أرسلوا كلبة إلى الفضاء من قبل، ونشرت وسائل إعلام طهران عددا من الصور للقرد الذي قالت إنه ذهب إلى الفضاء على ارتفاع 120 كيلومترا قبل أن يعود سالما معافى، غير أن خبراء صرحوا في ما بعد أن صورة القرد الذي قالت إيران إنها أرسلته مختلفة عن الصورة التي نشرتها وسائل إعلامها للقرد الذي عاد من الفضاء، الأمر الذي دفع إيران إلى الاعتراف بصحة الأمر غير أنها أصرت على مسألة إرسال القرد إلى الفضاء وغضت الطرف عن عودته سالما، وقد تحدثت صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية عن الضجة الإعلامية التي افتعلتها وسائل الإعلام الإيرانية حول القرد الفضائي و«الخرق التكنولوجي العظيم» في مجال الأبحاث الفضائية، الأمر الذي ذكرت الـ«إندبندنت» أنه مجرد دعاية سياسية ترمي إلى الترويج للتقدم العلمي الإيراني على الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الغرب.
ومما يندرج ضمن حكاية «أتكذبني وتصدق الحمار؟» تلك المتاجرة المكشوفة بالدين والمظلومية التاريخية للشيعة، إلى المتاجرة بمصطلحات مثل «المقاومة» و«الممانعة»، إلى ممواجهة قوى الاستكبار والصهيونية ولعنها والصراخ بموتها، إلى الوحدة الإسلامية، والشرق الأوسط الإسلامي.. وغير تلك من المبادئ والشعارات التي تتحطم جميعها على محك الممارسات الإيرانية التي لا تعرف إلا نشر الفوضى والفتن الطائفية لإضعاف دول المنطقة وتسهيل ضمها تحت الجناح الإيراني.
«الإيرانيون يكذبون»، ولعل هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يمكن الجزم بها في سيل من التمويه والفوضى الإعلامية والسياسية المتعلقة بالشأن الإيراني. ولعل إصرار إيران على نفي ما يكاد يكون الإجماع قائما على إثباته، سياسة إيرانية، تماما كسياسة «صاحب الحمار»؛ إذ تتوخى إيران نشر جو من البلبلة والفوضى الإعلامية التي تؤثر، حسب راسم السياسة الإيرانية، على المزاج السياسي والإعلامي في المنطقة، لشغل العالم من خلال البالونات الإعلامية التي تطيرها في الفضاء عما لا تريد التحدث عنه إعلاميا؛ أعني برنامجها النووي، وجهودها التخريبية الكبيرة المتمثلة في شبكات كبيرة من تهريب النفط والسلاح وتبييض الأموال، عدا تعاملها مع عدد من الشبكات العالمية المرتبطة بأعمال تجسس واغتيالات حول العالم.
نحن إذن إزاء «إيرانيْن»؛ إيران التي يظهر فيها المرشد الروحي خامنئي بعباءة التشيع السياسي وبلون الكوفية الفلسطينية لكسب ود الشيعة حول العالم، وكسب ود السنة الذين يرغبون في أن يروا فلسطين محررة، وهذا الوجه أو هذه الـ«إيران» هي إيران الشعارات التي يتوخى راسم السياسة في طهران من ورائها تمويه الحقائق على الجماهير في منطقة لا تزال مفتونة بالشعارات. وهناك إيران الوجه الآخر الذي يعبر عنه اللواء قاسم سليماني الذي يجسد شبكة من العمليات التخريبية والتجسسية والإرهابية، كما يجسد الطموح القومي، والحنين الإمبراطوري «الفارسي» لدى إيران «الإسلامية»، وهذا الوجه لا يظهر في الإعلام رغم أنه هو الوجه الأقرب إلى تمثيل حقيقة السياسات الإيرانية، وما ظهور الوجه الأول إلا لأجل أن يغطي حقيقة الوجه الثاني، ثم يترك من يشاهد الوجهين في حيرة بالغة، وفوضى حسية وفكرية وتشوش ذهني؛ وهو عين ما يتوخاه المنتج المتمرس من وراء إنتاج الصورتين أو الوجهين. غير أن النظر بتمعن في الوجهين ينفي وجود أية فروق جوهرية بينهما، فهما مجرد وجهين لصورة واحدة، يسعى كل منهما إلى غاية وظيفية محددة، فإذا كانت وظيفة الوجه الثاني أن يمارس الفعل غير المقبول، وأحيانا غير الأخلاقي، فإن وظيفة الوجه الأول هو الظهور بهدوء ورزانة وملامح لا تخلو من بسمة خفيفة ومسحة «ملائكية» لإنكار ما قام به الوجه الثاني، أو لمسح آثاره على الأقل. في الإطار إذن وجهان لكل منهما وظيفته التي وضعها منتج «الصورة الإيرانية» الذي أراد لها أن تكون مشوشة وملتبسة حتى يلتهي الناظر إليها بمتابعة الفروق السطحية ويتوه بين صورتين لقردين مختلفين زعمت إيران أن الأولى صورة قرد راد الفضاء، وأن الثانية صورته عندما عاد إلى الأرض.
نشوان نيوز

التحالف المحيّر في اليمن

ناصر يحيى
ناصر يحيى

 موسوعة النبأ   هل هناك تحالف بين الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وجماعة الحوثيين في اليمن؟ أم إن المسألة كلها مجرد مكايدات سياسية وتراشقات حزبية معهودة في إطار اللعبة السياسية اليمنية؟

(1)

فرض هذا السؤال نفسه في الشارع اليمني بعد أن لوحظت عدة قرائن على تماهي المواقف  والسياسات بين الحوثيين وجبهة الرئيس السابق. واقتضى الأمر إعادة قراءة بعض صفحات الماضي القريب، وبالتحديد عند مطلع التسعينيات حين أعلن التيار الشيعي وجوده رسميا باسم "حزب الحق"، وصولا إلى 2004 عندما انفجرت الحرب الأولى بين السلطة اليمنية وحركة الحوثي (إحدى تفريعات الحزب والتيار الشيعي)، والتي تلتها خمس حروب فصلت بينها فترات هدوء وترقب، وإعادة حشد وتسلح، ومبادرات سلام كانت تنتهي بعد شهور بانفجار الحرب بأقسى مما حدث قبلها، وتحولت في واحدة منها إلى شبه حرب إقليمية باندلاع المعارك على خط الحدود اليمنية/السعودية، ولكن هذه المرة بين الحوثيين والقوات السعودية.

الإجابة عن السؤال حول حقيقة وجود تحالف بين الحوثيين والرئيس اليمني السابق ليس هينا ولا صعبا في الوقت نفسه. هو ليس هينا لأن حالة العداء الشامل التي كانت عليها علاقة الطرفين خلال 2004-2011، وبالتحديد إلى بداية الثورة الشعبية اليمنية ضد نظام صالح؛ لا تسهل تقبل إمكانية وجود تحالف فجائي بين أعداء الأمس –ودون فاصل زمني مناسب- بعد كل تلك المعارك الشرسة والمواجهات السياسية والإعلامية الحادة بين الطرفين، والتي فاقت كل ما سبقها في العنفوان والحدية بما فيها الحرب الأهلية عام 1994!

وفي المقابل، يصعب تجاهل أن الطرفين صارا منذ قرابة عام على الأقل أقرب لبعضهما في العديد من المواقف التي يمكن القول -دون تجاوز- إنها انعكاس لتطابق مصالحهما ومخاوفهما وقراءتهما للمشهد السياسي اليمني الجديد؛ ولا سيما بعد إجبار الرئيس السابق على التنحي عن السلطة، وبدء مرحلة سياسية جديدة محكومة بالمبادرة الخليجية المدعومة إقليميا ودوليا.
(2)
إذا استثنينا الدعم الذي قدمه صالح للحركة الحوثية عند نشأتها، واعترف به جميع الأطراف؛ فإن التحالف أو التفاهمات المفترضة الراهنة بين الحوثيين وجبهة الرئيس السابق علي صالح يمكن ملاحظتها في عدد من مظاهر الأداء السياسي والإعلامي المتشابه، والمواقف العامة المتماهية للطرفين في الجوانب التالية:
1- تركيز العداء السياسي والإعلامي للطرفين ضد حزب الإصلاح، وتحميله مسؤولية كل المصائب التي حدثت وتحدث في اليمن، ووصفه بالعدو الأول، واتهامه بسرقة ثورة الشباب وتجييرها لصالحه!
2- تناغم الخطاب الإعلامي للطرفين تجاه القضايا المصيرية والاستحقاقات السياسية التي تواجه اليمن؛ مثل رفض المبادرة الخليجية ووصفها بأنها تدخل أميركي وسعودي في الشؤون اليمنية، والهجوم الإعلامي على دول الخليج والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب دورهم في إمضاء المبادرة الخليجية، وإجبار صالح على التوقيع عليها والتنحي عن السلطة، ودعم الرئيس التوافقي عبد ربه هادي دعما غير محدود، والمساعدة في إعادة هيكلة الجيش والأمن اليمني (المتضرر الأكبر من ذلك هو صالح وأبناؤه وعائلته)، ووصف ذلك بأنه احتلال صريح لليمن، وكذلك تناغم حملات التشكيك ضد مؤتمر الحوار الوطني المقبل.
3- سماح صالح للحوثيين ببسط سيطرتهم على صعدة والتمدد في مناطق أخرى، وتسهيل استيلائهم على معسكرات موالية للرئيس صالح وابنه، وحصولهم على أسلحة ثقيلة ومعدات حربية لم يكونوا يحلمون بامتلاكها..، ورفع الدعم عن القوى القبلية الرافضة لهيمنة الحوثيين والتي شاركت الدولة في مواجهتهم، ووضعهم في موقف ضعيف جعلهم يخضعون لها أو يتركون مناطقهم تسقط في أيدي الحوثيين دون مقاومة! وفي المقابل تشجيع رموز قبلية مؤتمرية على الانضمام للحوثيين.
4- تقارب بعض الرموز السياسية ذات المرجعية الشيعية المتعاطفة مع الحوثيين مع الرئيس السابق، وقيام نوع من الحوارات والتفاهمات بينهم. في مقابل توتر علاقتها مع الإصلاح حليفها النظري في إطار اللقاء المشترك.

(3)

العودة إلى التاريخ القريب ستساعد على تفهم الكثير مما يحيطه الغموض، وقد يصعب على الآخرين تفهمه في أسباب نشوء هذه العلاقة المفترضة بين عدويْ الأمس وحليفيْ اليوم..، فبالنسبة للرئيس السابق علي صالح لا يوجد شيء في سلوكه السياسي المعروف يمنعه من إقامة علاقة تحالف أو تفاهم مع أعدائه الحوثيين..، فهو مشهور بأنه رجل التكتيكات بصرف النظر عن صوابها أو خطئها، وفي هذا الإطار يمكن القول إن صالح مارس براغماتية مفرطة متحللة من أي قيود أخلاقية في إقامة التحالفات السرية مع كل المتناقضات في اليمن في وقت واحد، والتخلي عن هذا الطرف أو ذاك والتضحية به إن رأى في الخصومة معه مصلحة له بالسهولة نفسها التي تحالف بها معه!

واشتهر عنه كذلك أنه لا يرعوي عن دعم أطراف التنازع في أي قضية سياسية أو قبلية أو حتى خلاف تجاري بين رجال أعمال في وقت واحد..، المهم عنده هو عدم تفويت فرصة التعاون والارتباط والاستفادة من كل ما يساعد على تثبيت حكمه، وإضعاف خصومه وتفتيت صفوفهم، وإشغالهم عنه! 

ويتداول الوسط السياسي اليمني سلسلة طويلة من تلك الممارسات المنسوبة للرئيس، أبرزها: دعمه لتنظيم القاعدة ذي التوجهات "السلفية الجهادية" منذ بدء نشاطه في الثمانينيات باسم "الجهاد"، ودعمه لتنظيم "الشباب المؤمن" ثم جماعة "الشعار" الشيعية التي تزعمها حسين الحوثي..، وفي الحالتين تحول الدعم إلى عداء دموي، وفيهما أيضا كان الدعم والعداء مرتبطين بمصلحة يجدها صالح مناسبة له!

هناك أيضا نماذج عديدة للأسلوب البراغماتي غير السوي في التاريخ السياسي لصالح؛ فمن المشهور عنه أنه يدعم ويستنكر في وقت واحد أي حالة خلاف أو انشقاق داخل أي حزب يمني، ولو كان المنشقون من داخل حزبه وضده ظاهريا!
وهو قادر على تبديل تحالفاته بين المتناقضات، ويستطيع مثلا أن يبدل تحالفاته كما حدث بين جناحيْ حزب البعث، ويتحالف مع الجناح الذي دبر مؤامرة ضده قبل سنوات واتهمه بالخيانة والعمالة، ويستبعد الجناح الآخر الذي دعمه ومنحه شرعية ضن بها على خصومهم!
ولم يسلم من هذه السياسة حتى أبرز معاونيه السياسيين والعسكريين وحلفائه التقليديين، مثل مشايخ القبائل؛ ففي الوقت الذي يريده، يمكن أن يوعز لجهة ما أن تشن حملات إعلامية بالغة الإسفاف ضد من يريد أن يحجمه أو يبعده عن طريق مخططاته، أو عندما يظهر أن المستهدف صار عبئا عليه رغم أنه ينفذ سياسته.
وفي نفس الوقت، يعلن استنكاره وربما أمر بإحالة المنفذ لتوجيهاته إلى القضاء! ومن أغرب ما يقال في هذا السياق هو أن صالح أنشأ جماعات حراكية (نسبة إلى الحراك الجنوبي) هي من أعلى الأصوات المطالبة بالانفصال، كما أنه متهم بدعم الحوثيين في مواجهتهم للقوات السعودية، وشاع أن السلطات السعودية التقطت أثناء المعارك مكالمة هاتفية بين صالح وزعيم الحوثيين يحثه فيها على الصمود وتلقين أعدائهم درسا قويا!

(4)

الحوثيون من جهتهم ظهروا منذ بداية حركتهم قادرين على ممارسة نوع من البراغماتية غير المألوفة عن الجماعات الدينية التقليدية، في تحالفاتهم وتسويق مشروعهم السياسي والفكري. وربما كان أكبر نجاح إعلامي حققوه هو نجاحهم في كسب تعاطف جزء كبير من قوى اليسار والعلمانيين الليبراليين معهم؛ استغلالا لكراهيتهم للرئيس صالح والقوى الإسلامية..، وغض اليساريون والعلمانيون -رافعو شعارات الليبرالية وفصل الدين عن الدولة- النظر عن كون الحوثية حركة سياسية دينية بل مذهبية، وعن المبادئ المذهبية المتشددة والموغلة في إحياء الخلافات التاريخية بين الفرق الإسلامية التي استند إليها الخطاب الحوثي في حشد وتجنيد الأتباع؛ في الوقت الذي كانوا فيه (أي العلمانيون) يخوضون حربا إعلامية شرسة ضد الإسلاميين الآخرين بحجة رفض تسييس الدين، ولم تطرف عين فيهم بسبب شعار الحوثيين الذي يلعن اليهود، رغم المعارك الإعلامية التي خاضوها قبل ذلك ضد خطباء المساجد الذين يدعون بالهلاك على اليهود والنصارى.
كما لم يصدر منهم اعتراض تجاه فرض الحوثيين في المناطق التي يحكمونها لأنماط معينة من السلوكيات الشبيهة بما كان يحدث في ظل نظام حركة طالبان الأفغانية، والتي يتشدد اليسار والعلمانيون في رفضها عادة إن صدرت من دعاة محسوبين على التيار السلفي؛ مثل تحريم الحوثيين للموسيقى والأغاني، ولركوب شخصين معا على دراجة نارية واحدة إلا إن كانت وضعية الراكب الخلفي باتجاه مخالف!
وعلى الجانب السياسي؛ نجحت براغماتية الحوثيين في إقامة نوع من التأييد والتعاطف المتبادل مع جماعات الحراك الجنوبي الأكثر تحمسا للانفصال؛ بدعوى المظلومية المشتركة بينهما من نظام صالح والقوى الإسلامية السنية.
ومن قبل ذلك كان التفاهم أو التعاطف والتحالف ملموسا بين الحوثيين بعناوينهم المختلفة وأحزاب اليسار، وهي حالة بدأت رسميا منذ بداية التسعينيات ولا تزال مستمرة حتى الآن، ولم تتأثر حتى مع ظهور الطابع الطائفي للحوثيين، وخطابهم الديني المتشدد المستند إلى خلفية تاريخية مذهبية، طالما كان اليسار اليمني عدوا لدودا لها في سنوات الصراع السياسي في الستينيات، وكان يتخذ منها أسبابا لمعاداة التيار الإسلامي السني عداء حادا باعتباره ممثلا لها!
واستنادا إلى ما سبق ذكره من نماذج السلوك السياسي للحوثيين والرئيس السابق؛ يمكن تقبل إمكانية وجود حالة التحالف السياسي بين عدويْ الأمس اللدودين، أو ربما كان الأدق أن توصف هذه الحالة -حتى ظهور اعتراف رسمي- بأنها نوع من التفاهمات السرية والتقاء المصالح فرض على الطرفين الاتفاق على تحديد العدو الحقيقي لمشروع كل منهما في هذه المرحلة..، والذي خلصا إلى أنه يتمثل في الإسلاميين السنة بكل فصائلهم بالنسبة للحوثيين، وحزب الإصلاح الإسلامي تحديدا بالنسبة للرئيس السابق، ومعهم القائد العسكري الأبرز في مواجهة صالح والحوثيين وهو اللواء علي محسن الأحمر.
وفي هذه الكتلة، يرى طرفا التحالف المحيّر في اليمن مكمن الخطورة التي يواجهونها: سياسيا وعسكريا وفكريا. فالحوثيون يعلمون أن الإسلاميين السنة -خاصة الإصلاحيين من مدرسة الإخوان المسلمين- هم الأقدر على مواجهة مشروعهم السياسي والفكري بمشروعهم الإسلامي الذي يستند إلى مرجعية سنية تتبعها أغلبية اليمنيين، ووجود تنظيمي وشعبي قوي حتى في المناطق التي يسيطرون عليها، كما أنهم لن ينسوا أن اللواء علي محسن الأحمر كان هو القائد الذي كلف بمواجهة حركتهم عسكريا، وكاد ينجح مرتين في القضاء عل وجودهم المسلح لولا أن الرئيس السابق كان يتدخل لخلط الأوراق، مثلما صنع بعد الحرب الأولى عندما عطل الحل السياسي، وعين محافظا في صعدة مواليا للحوثيين أنفق مئات الملايين لمرضاة زعماء الحوثيين الذين استخدموها في إعادة التسليح قبل أن يشنوا الحرب الثانية.
وكما حدث في الحرب الثانية عندما أمر صالح بإيقاف الحسم العسكري في ساعاته الأخيرة بعد أن كان قاب قوسين من النجاح (انهارت معنويات القوات اليمنية بسبب ذلك، وبدأ المسلحون الحوثيون يحققون انتصارات كبيرة بدءا من الحرب الثالثة).
وبالنسبة للرئيس صالح؛ فهو موقن بأن وجود حزب الإصلاح في قلب الثورة الشعبية ضده، وتأييد اللواء علي محسن لها هو الذي حسم الموقف لغير صالحه، وجعل عملية تصفية الثورة أمرا مستحيلا دون الخوض في بحور من الدماء وتفجير حرب أهلية؛ الأمر الذي دفع القوى الإقليمية والدولية إلى سحب تأييدها له، وتشديد الضغط عليه للتنحي عن السلطة.
وفي ضوء هذه العوامل، يمكن فهم وجود أسس قوية وثارات جمعت المصابين من الحوثيين وجبهة الرئيس السابق في مربع سياسي واحد ضد الخصوم المشتركين، وعلى قاعدة: عدو عدوي صديقي!

الجزيرة نت




الحوثيون يفتتحون الحوار الوطني بقرع طبول حرب جديدة



                                                د. عبد الحميد النهمي

 موسوعة النبأ01:32:31 م23 يناير, 2013 وافق الحوثيون على الدخول في الحوار الوطني، وقدموا ممثليهم إلى اللجنة الفنية للحوار سواء الممثلين باسم الحوثيين، أو عبر النوافذ الخلفية لهم في الأحزاب الصغيرة، وربما يكون لهم تمثيل غير معلن في حصة الحزب الحاكم. تأتي هذه الموافقة بعد مواقف متباينة ومتناقضة للحوثيين من الثورة ابتداءً، ومن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومن الحوار الوطني انتهاءً، مروراً بينهما بقرارات هادي التي ترتب عليها نقل صواريخ اسكود من الشعب(أحمد علي) إلى أمريكا(وزارة الدفاع) بحسب توصيف الحوثيين لتلك القرارات ومواقفهم الرافضة لها سراً وعلناً. وبينما تفصلنا أيام عن بدء عملية الحوار الوطني الشامل الذي نأمل أن يخرج اليمن من الأزمات التي يعد الحوثيون واحدة منها، نجد الحوثيين يبادرون إلى تسليم القوائم الخاصة بمن يمثلهم في الحوار الوطني. لكننا نجدهم في المقابل يفتحون حرباً جديدة ويقرعون طبولها باعتقال عشرين من شباب الثورة في صعدة، وقتل أحد السلفيين في ذمار. تعد ذمار معسكر احتياط للحوثيين، فمنذ الحرب الأولى في العام 2004م لم يحرك الحوثيون ورقة ذمار في حربهم ضد أمريكا وإسرائيل(الشعب اليمني) بزعمهم، لكنهم اليوم يدشنون هذه الحرب وحملات الاعتقالات والقتل والتعذيب؛ ليرفعوا سقف مطالبهم تحت طاولة الحوار الوطني؛ بغية الحصول على تمثيل لهم لا يتماثل مع نفوذهم الحقيقي بل يتماثل مع حجم المشكلة التي يشكلها الحوثيون على النسيج الاجتماعي. يهدف الحوثيون من خلال تحريك هذه الأوراق النائمة إلى الحصول على مكاسب تمثل العنف الذي يمارسونه لا الفكر الذي يحملونه. إن المتابع اليمني اليوم يأمل أن يخرج الحوار الوطني في قضية الحوثيين إلى قضايا عملية وملموسة يمكننا إيجازها في الآتي:
أولاً: تحرير كامل تراب صعدة من الاحتلال الحوثي، وعودته إلى خارطة الجمهورية اليمنية رسماً ومعنى، سيادة وقيادة، قراراً وتنفيذاً.
ثانياً: يأمل الشارع اليمني من الحوار أن يلزم الحوثيين بنزع السلاح الذي يقتلون به الشعب اليمني.
ثالثاً: على الحوثي أن يقدم اعتذاراً رسمياً صريحاً ومباشراً للشعب اليمني الذي ارتكب في حقه ما يربو على عشرة حروب فبالإضافة إلى الحروب الستة التي أشعلها بالشراكة مع نظام صالح فإنه أشعل في أٌقل من عامين حرباً في الجوف، وأخرى في حجة، وثالثة في دماج وكتاف، والرابعة في ريدة، وها هو اليوم يحاول إشعال الشمعة السادسة لحروبه في ذمار ولا ندري ماذا يخبئ الحوثي للشعب في جعبته، فلا بد ـ على أقل تقدير ـ من اعتذار يعقبه تحول حقيقي وتخلي عن العمل العسكري.
رابعاً: على الحوثي فك الارتباط مع إيران، وعليه تقديم الولاء الوطني على الولاء الطائفي الذي أزكم أنوفنا بروائحه العنصرية السلالية الكريهة. خامساً: نأمل من مؤتمر الحوار أن يلزم الحوثيين بتشكيل حزب غير سلالي، ين نظامه الأساس على الاعتراف بالدستور والقانون، والبعد عن أي مشروع خارجي.
 سادساً: على الحوثيين احترام الأكثرية المضطهدة من أبناء صعدة سواء كانوا زيدية أو سنية أحزاباً وجماعات وكيانات، وعليه أن يوقف حملات الفرز الطائفي، وسجون أبي حويث في صعدة التي تذكرنا بسجون أبو غريب في العراق، وعليه أن يؤمن بالتعايش وحرية الاختلاف. فهل إشعال مثل هذه الحروب يعني تقديم الحوثيين لأجندته في الحوار على شكل حروب واغتيالات وقتل وتعذيب واعتقال وتعسف.
 أخيراً: نذكر الأخ: رئيس الجمهورية، ووزراء الداخلية والدفاع والخارجية أن محافظة صعدة يمنية. ونطالبهم بفرض سيادة الدولة فيها إذا كانت لديهم القناعة والقدرة على ذلك. نذكرهم أن المواطنين الذين يقتلهم الحوثيون ليسوا أمريكان ولا يهود، وأن ديانتهم الإسلام، وهويتهم يمنية، وأنهم مواطنون صالحون. نذكر الجهات المعنية أن الذين يعذبهم الحوثيون ويسجنونهم ليسوا قتلة، وليسوا أصحاب صفقات السلاح الإيراني، وليسوا من تجار المخدرات، وأكبر جريمة نسبت إليهم الصلاة والضم(أعني صلاة التراويح). نذكر الأخ الرئيس أن التاريخ لا يرحم ولا يحابي، صحيح أنه في فترة من الفترات يكتبه المنتصرون، لكن الحقيقة تبقى حبيسة العقول وبطون الكتب ويأتي يوم تخرج مجردة كما هي. أترضى يا سيادة الرئيس أن يذكر التاريخ أنك تخليت عن جزء من شعبك، يقتلون ويعذبون من قبل عصابة تتحاور معها، وتعطيها أكبر مما تستحق. نخشى أن يقول التاريخ أن كل من غض الطرف عن جرائم الحوثيين في حق الشعب كان شريكاً بالفعل أو بعدم الفعل والسكوت. كما نرجو من الحوثيين أن لا يختبروا صبر الشعب عليهم، وعلى جنونهم الطائفي، وأن للصبر حدود، وإذا ثار هذا الشعب فعليهم أن يبحثوا عن مكان في إيران أو يواجهوا قدرهم مع هذا الشعب الذي سئم الاستبداد والطغيان تحت أي مسمى كان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق