تحليلات


سارة علي
عبثًا تحاول المليشيات الشيعية التنصل من دعم حكومة المالكي لها، وفي المقابل يدعي الأخير أنه يحاول القضاء على تلك المليشيات، لكن الواقع العراقي يفصح عن غير ذلك، فالمليشيات تمارس دورها القذر من خلال السيطرات الوهمية لإلقاء القبض على الهوية والاسم، وأيضًا تصفية السنة من خلال المتفجرات وأسلحة الكاتم والمخبرين السريين الذي يقدمون معلومات خاطئة للحكومة لإلقاء القبض على الأبرياء من السنة والحصول على مقابل مادي لكل شخص يتم إلقاء القبض عليه، ويجد سنة العراق أنفسهم بين كماشة السلطة الطائفية المسلطة سيفها على رقابهم وبين ميلشيات شيعية إجرامية لم تشبع من دم السنة.
القائمة العراقية، في 26 مايو/أيار 2013م، اتهمت رئيس الحكومة نوري المالكي بـ"الاستعانة بالميليشيات لإجهاض الاعتصامات السلمية، وأكدت أن الاستعانة بها توضح مدى "هشاشة" السلطة في العراق.
كما اتهمت كتلة التحالف الكردستاني، في 15 مايو/أيار 2013م، "ميليشيات مسلحة" بممارسة "القتل الممنهج" ضد "الكرد الإيزيديين" بعد مقتل تسعة منهم في منطقة زيونة ببغداد، خلال هجوم مسلح استهدف محالاًّ للمشروبات الروحية في تلك المنطقة، وقد طالبت الحكومة بالوقوف بحزم بوجه المنفذين وتقديم الجناة للقضاء بسرعة، وحذرت من "تداعيات خطرة" ما لم تبادر السلطات الأمنية لاتخاذ أشد الإجراءات في ملاحقة "القتلة الإرهابيين".
وأعلن الأمين العام لما يسمى بحزب الله العراقي "واثق البطاط" أن جيش المختار باشر بتنفيذ عملياته الأمنية بعد مقتل الجنود الخمسة في الأنبار "بالتنسيق مع القوات الأمنية"، وكشف أن لديه جهازًا استخباريًّا وتحالفات إستراتيجية مع "عصائب أهل الحق" و"لواء اليوم الموعود" و"حزب الله"، لافتًا إلى أن عمله يتم بإرشاد شرعي من قبل عدد من المراجع الدينية أهمها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، في حين نفت "عصائب أهل الحق" وجود أي تعاون لها مع البطاط، ووصفته بأنه "شخصية وهمية"، فيما نفت الاتهامات الموجهة لها بالوقوف وراء عمليات القتل والتهجير الطائفي في العاصمة بغداد، وأكدت أن الهدف من هذه الاتهامات هو "التأثير على القاعدة الجماهيرية الواسعة" للحركة، مطالبة في الوقت نفسه الأجهزة الأمنية باعتقال أي عضو في الحركة يقوم بأعمال القتل الطائفي.
وكانت المحافظات السنية الست قد أطلقت اسم "مسار حراكنا يقهر ميليشياتكم"، وذلك احتجاجًا على نشاط الميليشيات ضد أهل السنة في بغداد.
فيما نفى الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي، في 9 يونيو/حزيران 2013م، وجود سيطرات وهمية أو انتشار للميليشيات في جانبي الكرخ والرصافة من العاصمة بغداد، وأكد أنه تجول بين المواطنين وعناصر قوى الأمن وأكدوا له أنه "لا وجود لذلك"، في حين وجه المراكز الأمنية بتحديد مدة واجب عنصر السيطرة الأمنية بثلاث ساعات "ليكون يقظًا"، طالبًا من مفارز الشرطة الإسراع بالاستجابة لنداءات المواطنين.
وكانت وزارة الداخلية قد نفت الأنباء التي تحدثت عن انتشار ميليشيات في شوارع العاصمة بغداد، وأكدت أن أغلب حالات القتل التي حدثت كان ذات طابع جنائي، كما خصصت أرقام هواتف للإبلاغ عن وجود أي انتشار للميليشيات، داعية المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية. وأتى ذلك بعد يوم واحد من إعلان رئيس الحكومة نوري المالكي، الثلاثاء، أن مجلس الوزراء قرر دعم الأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهاب والميليشيات، وشدد على ضرورة مواجهة الخارجين عن القانون بغض النظر عن انتمائهم ومذهبهم وأحزابهم السياسية.
إيقاف نشاط جيش المهدي ثم إرجاعه
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر طالب في 15 مايو/أيار 2013م، "بإيقاف استغلال اسم جيش المهدي للمصالح الشخصية فورًا"، مبينًا أن "شكاوى متواترة" وصلت ضد بعض الأشخاص المستغلين، داعيًا أتباعه إلى "مقاطعتهم وعدم التعاون معهم" حتى إشعار آخر، محذرًا إياهم من "اتخاذ اللازم ضدهم بالطرق المشروعة" في حال عدم توقفهم، مؤكدًا عدم سماحه لأحد "بتشويه سمعة آل الصدر وتهديد الناس ورشوتهم", ثم عاد إلى تشكيل لجنة ترعى "جيش المهدي" انطلاقًا -حسب ادعائه- من مبدأ "المحبة والوفاء"، ووقوفًا ضد الإقصاء والتهميش"، فيما لفت إلى أن اللجنة ستكون برئاسة القيادي في التيار حازم الأعرجي، واشترط أن تحافظ اللجنة على مبدأ تجميده، وترعى مصالح أفراده المعنوية قبل المادية، مبينًا أن تخويل اللجنة يستمر لمدة عام واحد فقط.
أما ما يسمى عصائب أهل الحق الحديث فقد أشارت إلى أن عمليات خطف على الهوية وانتشار سيطرات وهمية "محاولة لتخريب الوضع الأمني في البلاد"، نافية بشدة أي صلة لها بذلك، وتحدثت عن "تشويه" يطول سمعتها من قبل خصوم سياسيين "أغاظتهم شعبية الحركة". وفيما توعد متحدث باسم العصائب بمحاسبة من يثبت تورطه بعمليات القتل والخطف ممن ينتمون للحركة، كشف عن مساعٍ للتحالف مع "قوائم سنية" في الانتخابات المقبلة.
الإعلام التابع للمالكي ينفي وجود مليشيات أو دعمها، لكن الواقع العراقي يؤكد ذلك، وخاصة مع حوادث الاغتيالات اليومية والخطف على الهوية والسيطرات التي تحتجز أي سني يمر -حتى لو بالخطأ- في أماكن شيعية، مما يؤكد أن سنة العراق لم يبقَ لهم إلا الله تعالى ناصرًا ومنقِذًا لهم من الطائفية الحاقدة التي عاثت في أرض العراق فسادًا وجَورًا



زمن الشيعة: حقائق وأرقام عن التشيع في سوريا (1/3) بحث ميداني

بقلم: بروفيسور خالد سنداوي
ترجمة: د. حمد العيسى
خاد سنداوي
تقديم المترجم:  هنا بحث نادر ومهم للغاية للبروفيسور خالد سنداوي عن التشيع في سوريا. نشر البحث في يونيو 2009 ضمن مشروع «اتجاهات حالية في الفكر الإسلامي» التابع لمؤسسة بحثية أمريكية مرموقة غير حزبية وغير حكومية، ومكرسة للبحوث والدراسات التحليلية المبتكرة التي تعزز الأمن العالمي والازدهار والحرية.
أما المؤلف بروفيسور خالد سنداوي، فهو باحث وأكاديمي فلسطيني مرموق متخصص في الأدب العربي والدراسات الإسلاميةّ بصورة عامة، أما التخصص الدقيق فهو «أدب الشيعة» والذي يعتبر من التخصصات النادرة في العالم. وهو من مواليد قرية الجـشّ الفلسطينية في منطقة الجليل الأعلى عام 1965.
ويعدّ السنداوي حالياً من دارسي الإسلام الشيعي البارزين والنادرين على الصعيدين العربي والعالمي من حيث عقيدة الشيعة وفكرهم وأدبهم. أصدر عشرة كتب آخرها وأهمها «معجم مصطلحات الشيعة»، كما ألف ما يزيد على 60 مقالة علمية في تخصصه نشرها في مجلات عالمية محكّمة.
وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1999 عن أطروحته: «مقتل الحسين بن علي في الأدب الشيعي». وقد كتب البروفيسور السنداوي هذا البحث بناء على جولة ميدانية قام بها بنفسه داخل سوريا كما سيلاحظ القراء، حيث زار سوريا في أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 أي قبل الحرب الأهلية بسنوات حيث تجول في المحافظات التي دخلها التشيع وتحدث مع أعيانها ورصد الأساليب والحكايات ليكتب هذا البحث النادر والفريد من نوعه من قلب الحدث.
وهذا البحث يشكل الفصل الخامس من أصل عشرة فصول في كتابي المترجم القادم عن «الصراع الإستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة» والذي سيصدر خلال عام 2014 بحول الله.
 * زمن الشيعة: حقائق وأرقام عن التشيع في سوريا (1/3)
لم يكن في سوريا قط نسبة كبيرة من السكان الشيعة، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح هناك زيادة في حالات التحول إلى المذهب الشيعي (أي التشيع) ضمن السكان السوريين السنة، والإسماعيليين والعلويين. وقد أدى القرب الجغرافي لسوريا مع إيران دائماً إلى درجة معينة من النفوذ الإيراني في سوريا، والذي زاد كثيراً مع وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، بعد وفاة والده حافظ.
تشجيع الحكومة السورية للنشاط التبشيري الإيراني قد يكون السبب الرئيس للزيادة في التشيع، ولكنه ليس السببالوحيد؛ فمن العوامل الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار كما سنشرح لاحقا:
(أ) وجود سكان شيعة «أصليين» ومزارات شيعية تاريخية في أنحاء مختلفة من سوريا.
(ب) طبيعة طقوس التعبد الشيعي.
(ج) قوة وسائل الإعلام الشيعية.
(د) الانتصار «المُتوهم» لحزب الله في حرب لبنان عام 2006.
(هـ) التودد الاستراتيجي لبعض السوريين النافذين.
(و) الإغراءات الاقتصادية والتعليمية للفقراء.
(ز) هيمنة الطائفة العلوية السياسية.
ليس من السهل الحصول على إحصاءات دقيقة حول تعداد مختلف الطوائف الدينية في سوريا بسبب حساسية النظام العلوي تجاه المسائل التي من هذا النوع. تقرير الحريات الدينية الدولية لعام 2006، الذي تنشره وزارة الخارجية الأميركية، أشار إلى أن الأقليات الإسلامية العلوية والاسماعيلية والشيعية وغيرها يشكلون 13 في المائة من سكان سوريا، أي حوالي 2.2 مليون شخص من مجموع السكان البالغ عددهم 18 مليون نسمة.

ويشير تقرير آخر بعنوان «الطوائف الدينية والمذاهب والمجموعات العرقية» الذي نشر في عام 2005، من قبل مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة، إلى أن الشيعة يشكلون 1 في المائة من سكان سوريا، بينما يشكل العلويون 8-9 في المائة. وتزعم مواقع شيعية على الإنترنت أن الشيعة السوريين يشكلون 2 في المائة من سكان ذلك البلد.

إضافة إلى الشيعة الأصليين، تستضيف سوريا أيضاً جالية من المهاجرين الإيرانيين الشيعة الذين يقيمون بصورة رئيسة في دمشق، فضلاً على عدد كبير من الشيعة العراقيين الذين وصلوا خلال السبعينيات والثمانينيات بسبب السياسات القمعية للنظام العراقي السابق. وزاد عدد السكان من الشيعة العراقيين كذلك في أعقاب غزو العراق عام 2003.

وبشكل عام ليس هناك تمييز اجتماعي ضد الشيعة في سوريا؛ فهم مجموعة مندمجة اجتماعياً ويتزاوجون بسهولة مع الطوائف المسلمة الأخرى. العدد الصغير للشيعة في سوريا قد يفسر -جزئياً- لماذا لم يصنعوا «خصوصية طائفية» مثل التي شهدتها دول أخرى في المنطقة.


الشيعة يعيشون في معظم المحافظات السورية، مع وجود أعلى نسبة في طرطوس، وهي المحافظة التي يوجد فيها 44 في المائة من السكان الشيعة في البلاد.

وقد وصل بعض الشيعة إلى مناصب رفيعة في سوريا، بينهم مهدي دخل الله، وزير الإعلام الأسبق، وصائب نحاس، وهو رجل أعمال بارز. الأسر الشيعية الأكثر شهرة في البلاد تشمل: آل نظام، آل مرتضى، آل بيضون، وآل روماني.

شيعة سورية لا يتبعون مرجعاً واحداً للتقليد. البعض يتبعون آية الله علي السيستاني في النجف- العراق. وآخرون يتبعون آية الله علي خامنئي، وهو أعلى سلطة دينية في إيران، وآخرون [كانوا] يتبعون السيد محمد حسين فضل الله في لبنان.

* العامل العلوي:

ما الذي يفسر المعاملة التفضيلية نسبياً للشيعة في سوريا؟ لقد كان وضعهم الإيجابي موجوداً حتى قبل مجيء حكومة بشار الأسد، والتي اتخذت موقفاً أكثر إيجابية تجاه إيران والتشيع علناً.

منذ عام 1963، حكمت سوريا من قبل النظام البعثي الذي تهيمن عليه الطائفة العلوية، والتي لديها صلات مع التشيع.

حزب البعث الحاكم كان يدرك دائماً موقفه غير الآمن، لكونه في الجوهر يمثل طائفة صغيرة تنتمي للأقلية العلوية ولذلك حاول الحفاظ على التوازن بين ادعاء الانتماء إلى المذهب الشيعي الإثني عشري المعترف به، ولكن من دون فقدان الهوية العلوية العرقية والثقافية، وكذلك عقائد وممارسات مذهبهم السرية.

ولذلك فقد قام الحزب باتخاذ سياسات تهدف إلى إضفاء الشرعية على العقيدة العلوية، التي أدت دوراً مهماً في صياغة السياسات السورية تجاه الشيعة.

وكانت أحد أهم نتائج الهيمنة السياسية للعلويين هي الأهمية التي توليها سورية لعلاقاتها مع الشيعة في لبنان وإيران.

وكانت هذه العلاقات من وقت إلى آخر تتعزز بفضل العلاقات الشخصية مع زعماء لبنان الشيعة. كان هذا ينطبق بشكل خاص على السيد موسى الصدر في بداية السبعينيات. كما قدمت سوريا تنازلات خاصة لقادة المعارضة الإيرانية قبل ثورة الخميني.

وكان القانون في ظل نظام سياسي قائم على الحزب الواحد في سوريا يحظر إنشاء الأحزاب السياسية التي لها أيديولوجية تتعارض مع حزب البعث الحاكم.

وأصر النظام الاستبدادي في سوريا على إبقاء الدين بعيداً عن السياسة كما تبين للإخوان المسلمين في 2 فبراير 1982، عندما تمردوا على الحكومة السورية.

اعتقلت الحكومة السورية 20,000 سجيناً سياسياً من جماعة الإخوان المسلمين وقتلت منهم 10,000 شخص، ووضعت منهم على القائمة السوداء 600,000 شخص.

هذه الإجراءات تساعد على تفسير سبب عدم تأسيس الشيعة أية منظمات سياسية خاصة بهم، ومحافظتهم على مسافة ما بعيداً عن السياسة وتقييد عملهم في المسائل الدينية.

تمت المحافظة على الحقوق الدينية الشيعية، وعلى الرغم من الأيديولوجية العلمانية للنظام، إلا أنه يسعى إلى ضمان ولاء المؤسسات الدينية المختلفة في البلاد، وربما التعويض عن النقص العام للتأييد الشعبي الحقيقي.

* نتائج مسح استطلاعي أوروبي:

أجريت دراسة ميدانية رائدة ممولة من الاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة الأولى من عام 2006، ونتج منها بيانات مفيدة عن المشهد الديني السوري.

لقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن المحافظات ذات الأغلبية العلوية كانت تضم أعلى نسبة مئوية للمتحولين إلى المذهب الشيعي مقارنة بالمحافظات الأخرى.

ووفقاً لهذه الدراسة، فإن توزيع المتحولين إلى المذهب الشيعي (المتشيعين) بين «العلويين» في مختلف المحافظات هو على النحو التالي:

 -     طرطوس 44 في المائة، (44 في المائة من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية هم في طرطوس).

-      اللاذقية 26 في المائة، (26 في المائة من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية هم في اللاذقية).

-      حمص 14 في المائة، (14 في المائة من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية هم في حمص).

-      حماة ودمشق: 16 في المائة.

-      المجموع = 100 في المائة

وأما النسب المئوية للمتحولين إلى المذهب الشيعي بين «السنة» في مختلف المحافظات فهي على النحو التالي:

-      حلب 46 في المائة، (46 في المائة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في حلب).

-      دمشق 23 في المائة، (23 في المائة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في دمشق).

-      حمص 22 في المائة، (22 في المائة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في حمص)

-      حماة 5 في المائة، (5 في المائة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في حماة)

-      إدلب 4 في المائة. (4 في المائة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في إدلب)

-      المجموع = 100 في المائة.

أما نسب المتحولين (المتشيعين) في محافظات دير الزور والرقة والقنيطرة فهي صغيرة جداً لدرجة يمكن اعتبارها صفراً.

أما بين «الإسماعيليين»، فإن نسب المتحولين في مختلف المحافظات على النحو التالي:

-      حماة: 51 في المائة، (51 في المائة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في حماة).

-      طرطوس: 43 في المائة، (43 في المائة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في طرطوس).

-      حلب: 3 في المائة، (3 في المائة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في حلب).

-      دمشق: 2 في المائة، (2 في المائة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في دمشق).

-      إدلب: 1 في المائة. (1 في المائة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في إدلب).

-      المجموع = 100 في المائة.

وبالإجمال، فإن معدل التحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي منخفض جداً، حيث يقدر بـ 2 في المائة من مجموع المتشيعين بشكل عام [تعليق المترجم: أي أن 98 في المائة من مجموع السورين المتشيعين هم من الطوائف غير السنية. انتهى تعليق المترجم].

ربما لا تكون هذه النسبة القليلة مستغربة، فنحو 7 في المائة من المسلمين السنة الذين تحولوا في منطقة دمشق ينتمون إلى أسر سورية كانت في الأصل شيعية ولكنهم أصبحوا سنة مع مرور الزمن، مثل عائلات: آل عطار، آل قصاب، آل حسن، آل لحام، آل بختيار، آل اختيار. وفي حلب، 88 في المائة من السنة المتشيعين كانوا من مثل هذه العائلات ذات الأصل الشيعي.

ووفقاً لدراسة الاتحاد الأوروبي، فإن الحالات المعروفة للسنة الذين تشيعوا لا يمكن أن يُعزى تشيعهم لأسباب اجتماعية أو اقتصادية عادية وطبيعية في أي من الطوائف؛ ففي دمشق، على سبيل المثال، 64.4 في المائة من المتحولين للمذهب الشيعي ينتمون إلى أسر ذات مداخيل متوسطة/مرتفعة من فئة التجار والمهنيين.

الغالبية العظمى منهم (69 في المائة) حاصلة على الأقل على شهادة الثانوية العامة. وفي حلب، أيضاً، وُجد أن 61 في المائة من المتحولين جاؤوا من الطبقات المتوسطة أو العليا.

وبين الفقراء كان 39 في المائة من المتحولين ينتمون إلى عائلات ذات أصل شيعي سابق (وبالتالي يكونون قد «جددوا» انتماءهم الشيعي)؛ ولذلك من المحتمل أن تحولهم له أسسه الدينية.

وبين السنة، كانت نسبة المتحولين لأسباب مالية (في جميع المحافظات التي شملتها الدراسة) لا تتعدى 3 في المائة.

ووفقاً للدراسة، فإن التحولات نادراً ما حدثت لأسباب مالية نفعية، باستثناء عدد قليل من المتحولين السنة، وخاصة بعض طلبة الجامعات، الذين قالوا إنهم غير متدينين على الإطلاق، ولكنه قرروا التشيع «من أجل الحصول على ما يكفي من المال لإنهاء دراستهم أو للزواج، مع تأكيدهم أن أياً من المذهبين السني والشيعي لا يعنيان لهم شيئاً».

وأكدت نتيجة أخرى للدراسة وجود نسبة قليلة جداً من المتحولين السنة، الذين زعموا أنهم تشيعوا بعد حرب لبنان عام 2006 وذلك «بدافع الحب لحزب الله وحسن نصر الله».

أما بالنسبة إلى تحول العلويين في جميع المحافظات السورية، فقد وجدت الدراسة أنه بخلاف السنة، كانت الغالبية العظمى (حوالى 76 في المائة) من الطلاب أو العاطلين عن العمل.

وكذلك أكد رجل دين علوي في طرطوس تحول بعض العسكريين، وشهادته مهمة، لأن المعلومات الرسمية عن العسكريين ليس من السهل الحصول عليها. وكانت الأغلبية الساحقة (84 في المائة) من المتحولين الإسماعيليين، مثل المتحولين السنة، من أسر من الطبقة الوسطى/العليا.

وتوصلت دراسة الاتحاد الأوروبي إلى الاستنتاجات العامة الثلاثة التالية بشأن التشيع في سوريا، وآخرها (الثالث) على وجه الخصوص سوف يقلق النظام الحاكم الذي يهيمن عليه العلويون:

(1) «معظم» حالات التحول (التشيع)، في الماضي وكذلك في الحاضر، تحدث بين الأسر التي لديها ميول شيعية تقليدية (كـ الإسماعيليين والعلويين).

(2) نسبة التشيع لتحقيق مكاسب اقتصادية أو مالية منخفضة جدا لدرجة أن فكرة «التحول لأسباب نفعية» يمكن استبعادها كنمط. (ولكن يبدو أن هذا الاستنتاج لا يعكس حال كل الذين تحولوا إلى المذهب الشيعي، حيث تشير دراسات موثقة أخرى إلى أن نسبة كبيرة (Large Percentage)، من الشيعة الجدد في سوريا تحولوا لأسباب مالية).

(3) إذا استمر المعدل الحالي للتشيع بين الإسماعيليين والعلويين في سوريا بلا انخفاض، فإن الطائفة الأولى ستنقرض في سوريا في غضون عشر سنوات، والثانية خلال ربع قرن.

وكما سنشرح هنا لاحقا، فإن هناك أدلة حكائية [أي حكايات متناقلة بين الناس في المجالس] كثيرة من مختلف محافظت سوريا، تشكك في الاستنتاجينن الأول والثاني أعلاه.

* المزارات الشيعية في سوريا:

هناك العديد من المزارات الشيعية الدولية المهمة التي تعتبر بمثابة مراكز مهمة للوجود الشيعي في سوريا وتجذب كذلك آلاف الزوار من الخارج.

المزارات تمول نفسها مالياً وتتبع وزارة الأوقاف. ولكن بالرغم من ذلك، استغلت إيران هذه الفرصة لبسط نفوذها في سوريا عن طريق تمويل مشاريع لتطوير بعض هذه المواقع.

الشيعة السوريون الأصليون يعيشون غالباً في أحياء مختلفة من العاصمة نفسها، وكذلك في عدد قليل من البلدات والقرى في محافظتي حمص وحماة.

معظم الشيعة العراقيين في سوريا يقيمون في منطقة السيدة زينب إلى الجنوب من العاصمة دمشق، وهي المنطقة التي نمت حول واحد من أهم المزارات الشيعة: قبر زينب حفيدة علي بن أبي طالب (ر).

مقام السيدة زينب هذا، والذي تُستخدم مرافقه للمحاضرات والاحتفالات الدينية، وكذلك لتوزيع المطبوعات الدينية التبشيرية الشيعية، هو أكبر مركز شيعي في سوريا.

إضافة إلى ذلك، يزور العديد من الحجاج الإيرانيين المقام. ومن اللافت زيادة عدد الحجاج الإيرانيين بصورة فلكية من 27,000 في العام 1978، إلى 290,000 في عام 2003. وجلبت هذه الزيادة –بالطبع- زيادة في النفوذ الإيراني في سوريا.

مزار السيدة رقية، هو ثاني أهم مزار شيعي من حيث عدد الزوار في سوريا. ونظراً إلى موقعه المركزي داخل العاصمة، فإنه يجلب الحشود الكبيرة للصلاة العامة اليومية وصلاة الجمعة الأسبوعية. ويعتبر إمام المسجد السيدة رقية، الشيخ نبيل الحلباوي، واحداً من الشخصيات الشيعية البارزة في سوريا.

وفي بعض الأحيان أدى وجود الأضرحة الشيعية في سوريا إلى تدخل إيراني نتج منه احتكاك. في بداية التسعينيات شيد الإيرانيون على قبر السيدة سكينة، الواقع في مقبرة «الباب الصغير» في دمشق، قبراً كبيراً فوق القبر القديم.

لقد اشتروا الأراضي التي حوله لبناء فناء كي يستوعب الحجاج الإيرانيين الذين كانوا بالمئات ثم أصبحوا بالآلاف والذين بدأوا يحجون للموقع الذي أصبح الآن يسمى بـ «مقام السيدة سكينة»، ابنة الإمام علي بن أبي طالب(ر). وبعد أن اشتروا الأرض، بدأ الإيرانيون أيضاً ببناء حسينية كبيرة جداً على الأراضي التي اشتروها.

المبنى الكبير في داريا، القريب جدا من دمشق للغاية، لا يزال قيد الإنشاء، ولكن المحلات التجارية والمباني السكنية التي أنشئت من حوله بدأت تعمل، وكذلك الفنادق، استعداداً لإنشاء مركز شيعي في مدينة داريا. وقام مسؤولون إيرانيون بارزون بزيارة الموقع للتعبير عن دعمهم لهذا المشروع.

 أحدث وأبرز هؤلاء الزوار كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بنفسه، الذي وصل الموقع خلال زيارته الأخيرة إلى سوريا، في 20 يناير 2006.

كان سكان البلدة على بينة بالخطط الإيرانية لمدينتهم واحتجوا لدى رئيس البلدية، الذي كان يؤيدهم. ولكن النظام السوري، وبخاصة أجهزته الأمنية، اتخذوا موقفاً قاسياً من السكان، وطُرد رئيس البلدية المتعاطف معهم، وعُين آخر.

وأبلغ رئيس البلدية الجديد أهالي البلدة أنه لا يمكن أن يفعل شيئاً لأن الأمن هدد بعواقب وخيمة على المدينة بأكملها إذا استمر سكانها في الاحتجاج على المشروع الإيراني. اللوحات التي على الضريح والمحلات كلها باللغتين العربية والفارسية. ونتيجة لهذا التطور في المنطقة، ارتفعت أسعار أراضي وإيجارات المحلات التجارية بصورة فلكية.

* التاريخ السابق للتشيع في سوريا:

التشيع له تاريخ طويل في سوريا يرجع إلى القرن السابع الميلادي، على الرغم من أنه لم يصبح سائداً هناك إلا في القرن العاشر الميلادي. وواصلت العقيدة الشيعية الانتشار خلال فترة صعود الدولة الفاطمية الإسماعيلية الشيعية (969-1172 م)، والتي حكمت مصر ثم بسطت سيطرتها على سوريا خلال القرن الحادي عشر الميلادي.

ولكن لاحقا، بدأ التشيع في سوريا يزول بسبب محاربة السلالة الأيوبية (1171-1250 م) له وفي ما بعد محاربة الدولة العثمانية (1517-1798 م) له. وبحلول أوائل العصر الحديث أصبح معتنقو المذهب الشيعي الإثني عشري في سوريا أقلية هامشية.

أول وأبرز عالم شيعي حديث عمل على نشر التشيع في سوريا كان العالِم عبد الرحمن خير (م. 1925)، ولكن لم تتحول إلى أعداد كبيرة إلا بسبب أنشطة جميل الأسد المكثفة، الشقيق المتدين للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وذلك خلال الثمانينيات.

ويمكن تتبع بدايات الاتجاه إلى التشيع في الماضي إلى زيارة موسى الصدر في عام 1974، إلى شيوخ الطائفة العلوية في جبال اللاذقية في المنطقة الساحلية من البلاد. وقد سبقه آية الله الشيرازي، الذي أصدر الفتوى الشهيرة والتي تفيد أن أهل تلك المنطقة ينتمون إلى الشيعة الإثني عشرية.

وبدأ جميل الأسد بتشجيع التحول إلى المذهب الشيعي في المنطقة نفسها، وبخاصة بين أعضاء الطائفة العلوية.

لقد بعث مجموعات من العلويين إلى إيران لدراسة المذهب الإثني عشري، وبعد عودتهم إلى سوريا نشروا العقيدة الشيعية بين زملائهم العلويين. وبنى جميل الأسد، حسينيات في الجبال، حيث لم يكن هناك من قبل سوى أضرحة علوية.

ومن أجل جعل التشيع أكثر قبولا لدى الناس هناك عين شيخا شيعيا كإمام لمسجد الزهراء العلوي في مدينة بانياس على الساحل السوري.

وبعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1970، أعرب بعض كبار رجال الدين السنة عن معارضتهم لرئاسته بسبب كونه علوياً. ولكنه تعامل معهم بدهاء حيث بدأ بحضور الصلوات في المساجد السنية، وأقام حفلات الإفطار خلال شهر رمضان لرجال الدين السنة.

وعمل حافظ على أن يقوم شقيقه جميل بتأسيس جمعية المرتضى العلوية وهي جمعية خيرية طائفية تصبو إلى تنصير أبناء السنة، أي دعوتـهم لاعتناق النصيرية وهو المسمى الأصلي للطائفة العلوية، مع فروع في جميع أنحاء سوريا.

وأنشأ حافظ الأسد جمعية المرتضى من أجل إظهار أن العلويين ينتمون إلى المجتمع الأكبر من الشيعة وليسوا أقلية.

وبعد بعض البحث العميق، طلب حافظ الأسد من آية الله محمد حسين فضل الله، أن يعمل في سوريا. افتتح فضل الله مكتباً في حي السيدة زينب في دمشق، وبدأ التلفزيون السوري لاحقاً ببث برامج للمبشر الشيعي العراقي عبد الحميد المهاجر.

ولكن بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، تضاءل تأثير فضل الله إلى حد ما وحلّت مكانه السفارة الإيرانية من خلال الملحق الثقافي في حلب.

وعلى الرغم من أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حافظ، كان على تحالف استراتيجي مع إيران، إلا أنه لم يسمح لمبادئ الثورة الإيرانية بالتغلغل في سوريا.

وفي الواقع، لقد قام بمنهجية وحزم بتقييد الوجود الإيراني، وذهب في بعض الأحيان إلى حد إغلاق مؤسسات ممولة من قبل إيران، بما في ذلك العيادات.

وحاول الإيرانيون الدخول إلى المناطق التي يسكنها العلويون من خلال استغلال الانتماءات الدينية المشتركة معهم، ولكن الرئيس السوري الأب اتخذ عدداً من الخطوات داخل وخارج مجتمع الطائفة العلوية للتأكد من أن محاولة إيران لاختراق سوريا لن تنجح.

وأمر الرئيس أيضاً مفتي سوريا، أحمد كفتارو، بإنشاء مدارس للدراسات القرآنية في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك في المناطق ذات الأغلبية العلوية في البلاد. وسميت هذه المدارس بـ«معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم». 
كما منع أيضاً إرسال الطلاب لدراسة الدين في إيران...(يتبع)..


سجل.jpg




نحتاج حلف "فضول" سنيا شيعيا جديدا

ثلاث مكائن لتطييف الصراع
التطييف يعني التدمير الشامل
ما البديل عن تطييف الصراع؟
من يكون ابن جدعان هذا الصراع؟
عبد الله البريدي
  1111.JPG   بات واضحاً أن مسار الثورة السورية في المرحلة السابقة قادنا للأسف الشديد إلى عملية واسعة من "تطييف الصراع" في المنطقة، وهذا أمر أحسب أنه من أخطر الأزمات التي عصفت وتعصف بنا في العقود الأخيرة. هذه الأزمة باتت تدار من قبل مكائن تعمل على تفاقمها وتعسير المعالجة ورفع الكلفة وبث اليأس في النفوس والادعاء بأنها "حتمية لا مفر منها"، ومن أبرز تلك المكائن:
ثلاث مكائن لتطييف الصراع:
1-الغرب المتصهين, من الواضح الجلي أن ثمة فصيلاً كبيراً في المعسكر الغربي يتبنى تطييف الصراع، بما يخلق ظروفاً مواتية لتفعيل خارطة الشرق الأوسط الجديد أو لتحقيق هدف قريب من ذلك. والمدهش أن الكثير من الساسة الغربيين يزعمون بأن الصراع الآن بات واضحاً بين "السنة" و"الشيعة"، وقد كثر ذلك في تصريحاتهم المعلنة، فضلاً عن تحركاتهم السياسية وبرامجهم المستورة، التي يُراد لها تدعيم الكيان الصهيوني بشكل مباشر أو غير مباشر.
"
التشيع الصفوي الشعوبي مسكون باستدعاء التناحر التاريخي ضد "النواصب" (السنة)، وهو يكرس الشعور بالمظلومية، ويتفنن في تفجير طاقات التنكيل والانتقام والتصفية للآخر
"
2-التشيع الصفوي الشعوبي, هذا اللون من التشيع مسكون باستدعاء التناحر التاريخي ضد "النواصب" (السنة)، وهو يكرس الشعور بالمظلومية، ويتفنن في تفجير طاقات التنكيل والانتقام والتصفية للآخر "الناصبي"، وبالذات الجنس العربي، حيث إنه تشيع قومي عنصري. ومما يؤسف له أن الساحة الشيعية في المرحلة الأخيرة تسيدها هذا التشيع الصفوي الشعوبي وأمسى الآمر الناهي فيها عبر "ملالي إيران" وأتباعهم في العراق ولبنان وبعض دول الخليج العربي، وما تزعم "حزب الله" بجانب حركات أخرى ذات نزعات تشيع صفوي شعوبي إلا دليل ساطع على صحة هذا القول (سترد شواهد على ذلك لاحقاً). 
3-التسنن المتشدد الإقصائي, هنالك فصيل سني متشدد ضد "الروافض" (=الشيعة)، وهو مهووس بإقصاء الشيعة وتصفيتهم، ويستمد هذا الفصيل مشروعية التكاره والتنافر مع "الروافض" من الطروحات الدينية السنية المتطرفة، التي تأبى الدخول في أي عملية للتصالح فضلاً عن التعايش والاندماج الاجتماعي مع أي فصيل شيعي، حتى لو كان معتدلاً، بزعم أنه لا يوجد معتدلون بين أوساط الشيعة. وهو زعم باطل بلا شك. ومحزن أيضاً أن الساحة السنية غلب عليها في هذه الفترة هذا الفصيل المتشدد بمختلف تجلياته.  
التطييف يعني التدمير الشامل
تكمن خطورة "أزمة تطييف الصراع" في جوانب عديدة تنبثق من حقيقة أن توسيع نطاق الاحتراب الطائفي مرشح لأن يُوجَّه لتحقيق بعض الأهداف التدميرية للعالم العربي، والتي يمكن وضعها في ثلاثة قوالب تدميرية، وهي: 
1- التدمير السيادي, أضحى تدخل الدول الأجنبية رافداً كبيراً في نهر تقسيم الدول العربية وتفتيتها وفق أسس طائفية، وهو ما يعيد التذكير بمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي يطرح خارطة جديدة لدول المنطقة اعتماداً على تلك الأسس القبيحة اللإنسانية.
2- التدمير البنيوي, الاحتراب الطائفي المدعوم بأسلحة المعسكر الأميركي الأوروبي مقابل المعسكر الروسي الصيني محتمل لأن يقود إلى تدمير بنيوي شامل في المنطقة، فما بُني بقوت الشعوب المطحونة لعقود متطاولة يُهدَم في أشهر معدودة. وقد تنشب حروب أهلية تأكل أخضر التنمية ويابس النهضة. وما يحدث حالياً في لبنان والعراق -على سبيل المثال- مجرد شواهد أو مقدمات أولية على صحة ذلك.
3- التدمير المعنوي, التشاحن الفكري والتعارك العسكري سيلغمان العقل الجمعي بقنابل الكراهية والتحاقد وسيلوّنان القلوب بألوان البغضاء والتناحر. وفي هذا نسف لعقود طويلة من التسامح والتعايش بين مختلف الطوائف في منطقتنا العربية.
والنتيجة المتوقعة لمثل هذا التدمير الشامل أننا سنكون إزاء دول مفتتة متناحرة، تعمها الفوضى غير الخلاقة، مقابل دولة قوية متماسكة للكيان الصهيوني، مما يجعلها مرشحة لأن تلعب دوراً قيادياً في المنطقة الجديدة مع "الدول الفتات" بدعم المعسكر الغربي المتصهين. 
"
لا الدين ولا المذهب يعنينا في شيء حينما نروم بموجب قيمنا الإسلامية العظيمة تحقيق العدالة والكرامة والحرية لكافة المضطهدين في الأرض
"
ما البديل عن تطييف الصراع؟
لا بديل سوى التعاطي السياسي الصرف بنزعة مدنية حديثة، فالتحرك لدعم المظلوم ومجابهة الظالم إنما يكون على أسس تحقيق العدالة والكرامة والحرية للمضطهدين ومحاربة الطغاة، أياً كانت عقيدتهم ومذهبهم، فلا الدين ولا المذهب يعنينا في شيء حينما نروم بموجب قيمنا الإسلامية العظيمة تحقيق العدالة والكرامة والحرية لكافة المضطهدين في الأرض.
أعلم أن مثل هذا الطرح قد يغضب البعض، ولكنني أطالبهم بالهدوء والتأني في القراءة والتحليل والتأمل بمقدمات المسألة ونتائجها ومآلاتها. فمثلاً، كيف يقال إنه صراع سني شيعي، ونسبة كبيرة من جيش الأسد هم من أبناء السنة؟ فالسنة يقتلون بعضهم بعضاً في سوريا (طبعاً بجانب مشاركة آخرين من غير السنة)، كما أن فصائل شيعية عراقية متطرفة تصفي بعض أبناء الشيعة وخصوصاً الشيعة العروبيين، ومثل ذلك تماماً في لبنان، فضلاً عن احتقار وتصفية بعض أبناء الشيعة العرب في بلاد فارس من لدن الشيعة الصفويين وملالي قم. والشواهد على ذلك كثيرة، ونستنتج منها أن المسألة يجب أن تدار وفق المنظور المدني السياسي، بعيداً عن الأطر الطائفية والأيدولوجية.
ومما نلاحظه في المشهد اليوم، أن كل طرف يدعي أن الطرف الآخر هو الذي دفع بالأمور لأن تكون طائفية. وأنا هنا أؤكد على مسألة مهمة، وهي أن الطائفية لا تتحقق فعلياً إلا بتوافق الطرفين على التوقيع على "عقد تبادل الكره الطائفي" وما يستتبعه من أعمال التنافر والتناحر والتعارك والتصفية. أما إن كان طرف واحد فقط هو الذي يؤجج البعد الطائفي في حين أن الطرف الآخر ينأى بنفسه عن الولوغ في هذا المستنقع فإنه لا يمكن القول بأن ثمة "طائفية حقيقية" في هذه الحالة، فالطرف المتعقل وإن كان يجابه الطرف المتطرف بكل قوة وجسارة إلا أنه يبني جسوراً للتواصل مع كافة الأطراف المعتدلة، وفي النهاية فإنه لا يكسب معركته مع التطرف فحسب، بل مع التسامح أيضاً، وهنا يكمن الفرق الكبير، الذي آمل أن يكون واضحاً للجميع.
من يكون ابن جدعان هذا الصراع؟   
نظراً لما خلّفه تدخل "حزب الله" في سوريا من ردة فعل عنيفة في الفضاء السني في العالم العربي والإسلامي، فإنني أشير بكل وضوح إلى مسألة مهمة تتعلق بأن أعداداً متزايدة من "المسلمين السنة" بدؤوا يشعرون أو حتى يؤمنون بأنه لا فصائل معتدلة في الساحة الشيعية. ومن ثم فقد يقولون لنا: وكيف تريدنا أن نقيم حلف فضول مع هذه الفصائل المتطرفة؟
وهذه نظرة خاطئة تماماً، فثمة فصائل شيعية كثيرة، تتسم بالاعتدال والتجرد، كما أنها عروبية تقاوم المد الصفوي الشعبوي بكل ما تملكه من قوة وعتاد. وقد أبانت الأيام الفارطة عن بعض تلك الفصائل الشيعية المعتدلة، حيث وقفت بكل جرأة وصدق ضد تحركات "الصفويين" كـ"حزب الله" ومن لف لفهم، ويقف على تلك الفصائل قيادات شيعية عروبية تؤمن بالتعايش والاندماج الاجتماعي كما أنها تؤمن بالنقد والإصلاح والنهضة وتجاوز التاريخ نحو المستقبل، ومن هولاء -وهم كثر- العلامة اللبناني السيد علي الأمين الذي وصف تدخل "حزب الله" في سوريا بأنه "انتحاري تدميري"، ومثله العلاّمتان هاني فحص ومحمد حسن الأمين اللذان نددا بهذا الحزب الصفوي وأيدا الثورة السورية وأضافا: "إن هذا الموقف يأتي انسجاما مع مكوناتنا الإيمانية والعربية والإسلامية مع خصوصيتنا الشيعية التي لا يناسبها مجافاة روحية الإسلام الوحدوية وحرصنا على الدور الشيعي التنويري العربي" (بيان لهما نشر بتاريخ 11/8/2012، الجزيرة نت).
وهنالك بيانات أخرى مشابهة لشخصيات وفصائل شيعية عديدة في العراق والخليج ولبنان وغيرها، ولكنها للأسف لا تلقى دعماً ولا إشهاراً كافياً من جراء غلبة المد الصفوي وتسيده للمشهد الشيعي، وهذا ما يجب إيقافه.
وربما لا يعلم البعض أن هذه التيارات الشيعية العروبية المعتدلة يمارس ضدها إرهاب من قبل الصفويين، وهذا ما يوضح سر انكماش البعض وعدم قدرتهم على الإفصاح عن مواقفهم، ولعل قمع مظاهرة حزب الانتماء اللبناني في الأيام الأخيرة شاهد على هذا الإرهاب الصفوي الوحشي.
"
آن أوان دعم الفصائل الشيعية الحقيقية واعتبارها الممثل للتشيع المعتدل التصالحي، أما الآخرون فهم ليسوا بشيعة بل "صفويون تصفويون
"
نخلص مما سبق، أن الاعتدال في السياق الشيعي أصل مترسخ وليس باستثناء طارئ، وأنه آن أوان دعم الفصائل الشيعية الحقيقية واعتبارها الممثل للتشيع المعتدل التصالحي (وهم وحدهم من يسمون بالشيعة)، أما الآخرون فهم ليسوا بشيعة بل "صفويون تصفويون"، وأنه من مصلحة الجميع التكتل والتعاضد لمجابهتهم ومجابهة سائر المتطرفين من كل طائفة، أياً كانوا، فالتطرف لا يحرق نفسه بل قد تأتي نيرانه الطائشة على البقية.
ولهذا كله، فإنني أشدد على ضرورة تكوين "حلف فضول سني شيعي"، وليكن ذلك بأسرع وقت ممكن، مع ضرورة اشتغال السياسي والديني والفكري على توفير مقومات إنجاح هذا الحلف واستدامته، فما أحوجنا إليه، ولتفيض صدورنا بالمحبة لكل من يؤمن بالتعايش والاندماج الاجتماعي، ولكل عقيدته ومذهبه وأفكاره.
وهذا هو الطريق الذي يؤّمن لنا القوة لفتح نافذة الأمل لدولنا وشعوبنا. وإن تقاعسنا وتركنا التروس بأيدي المتشددين هنا وهناك، فلنجهز أنوفنا لشم حرائق واقعنا وتعفن مستقبلنا ومستقبل أطفالنا.
إذن لننهض ونضع أيدينا بل قلوبنا على قلوب بعض. والسؤال الأخير: من يكون ابن جدعان هذا الصراع المخيف؟
 المصدر:الجزيرة
سجل.jpg



العالم العربي ومخاطر الفتنة الطائفية   
الجمعة 12/8/1434 هـ - الموافق 21/6/2013 م (آخر تحديث) الساعة 14:34 (مكة المكرمة)، 11:34 (غرينتش)




 
              عبد الله الأشعل
   

فكان الدرس واضحاً والحل جاهزاً: حرمان العرب من عوائد بترولهم واستنزاف أموالهم وإشعال قضية الأمن والتسليح، وأن العدو الجديد هو إيران، وقد أسعدها أن تنجح الخطة، وكانت النتيجة هي ما نشهده اليوم من احتراب جميع أعداء إسرائيل وشل المقاومة ضدها، ثم خلق فتنة السنة والشيعة في العراق أولاً ثم المنطقة العربية بأسرها.

وإذا كان الصراع السني الشيعي بعيدا عن مصر، فلها عندهما صراع آخر هو الإسلامي المسيحي، وإحراق الكنائس، ولا تزال تلح على خاطري كلمات عاموس يادلين مدير المخابرات العسكرية السابق في إسرائيل في تقرير النجاح والإنجاز في المنطقة العربية عام 2010 الذي أكد فيه أن هدف الموساد هو تفتيت المجتمع المصري حتى لا تقوم له قائمة بعد زوال نظام حسني مبارك الذى بنى له الإسرائيليون في حيفا تمثالاً باعتباره كنزهم الإستراتيجي، على حد قول صديقه الصدوق الذي تقطر يده بدماء الأسرى من الجيش المصري في حروب 1967، 1973 وهو بنيامين بن إليعازر وزير البنية التحتية الإسرائيلي.
لا بد أن نعترف بمهارة إسرائيل والولايات المتحدة في توجيه العرب بعيداً عن المطالبة الملحة بتسوية القضية الفلسطينية، والسبب في هذه المهارة أنهما تمكنتا من وضع خطة محكمة منذ عام 1973 تقوم على تحقيق هدف أساسي وهو أن يُفني العرب بعضهم بعضا بعد أن نجحت الدولتان باقتدار في سلخ الجلد الفلسطيني من الجسد العربي بعد أن هالهما قيادة مصر للعالم العربي لتحرير الأراضي العربية عام 1973.
بعد أن كان حسن نصر الله معبود الجماهير العربية في زمن غاب فيه الرجال، أصبح متورطاً في حرب غاشمة في سوريا وداعماً لكل الشيعة 
ويضاف إلى فتنة المسلمين والمسيحيين، فتنة أخرى تطل برأسها وهي تحريض المؤسسات الدينية من جانب الأطراف العربية والأجنبية ولو بشكل غير مباشر على أن تكون طرفاً في الصراع الجديد السني الشيعي، وذلك من خلال مؤشرات كثيرة تتعاظم على عكس ما هو معروف من التسامح المصري.

والطريف أن أصحاب المؤامرة يوجهون النقد لمصر ويحاسبونها على طريقة التعامل مع ما أسموها الطائفية الشيعية في مصر، وكأنه دين جديد، ولم لا؟ فقد ردد بعض السلفيين أن الشيعة خارجون عن الملة وأن التحول من المذهب السني إلى الشيعي هو ارتداد عن الإسلام، وهو رأي بعض علماء السعودية أيضاً، وبعض أقطاب التيارات الإسلامية وهو أمر لا يخص حديثنا اليوم إلا بقدر ما رصده من دخول عناصر جديدة في مصر لإضافة فتنة الشيعة والسنة إلى فتنة المسلمين والمسيحيين، وكأن مصر قد سلمت من الفتن المدمرة الأخرى، وأن روحها تحتمل كل هذا البلاء.
وأقسم بالله لو أن إيران اعترفت بإسرائيل اليوم فسوف يصبح الشيعة في العالم العربي كله أبناء أمة إسلامية واحدة، وأن فقهاء اليوم سوف يملاؤن الدنيا ضجيجاً وخشوعاً طلباً للاستغفار عما بدر منهم في حق مسلم منهم لم يفارق حوزة الإسلام الرحبة.

وقد بلغت مهارة إسرائيل أنها وضعت إيران وحزب الله في مأزق تاريخي، فبعد أن كان حسن نصر الله معبود الجماهير العربية في زمن غاب فيه الرجال، أصبح متورطاً في حرب غاشمة في سوريا وداعماً لكل الشيعة في العراق والبحرين والسعودية وغيرها، مما عمق الخطر بين الشيعة والسنة.

صحيح أن خيارات حزب الله كلها بالغة المرارة، وأنه استدرج إلى تصفيات سياسية ومعنوية وفي صلب قواه، حتى فرح أعداؤه الذين تصدوا لسلاحه وراهنوا على أن هذا السلاح ليس مصنوعاً للمقاومة، ولكنه يستخدم أيضاً في فتنة العالم العربي والإسلامي، صحيح أن في سوريا معركة مصير ولكن حبك الخطة تصهر كل أعداء إسرائيل ولا تترك أمامهم سوى هذا الانتحار الكبير.

إنها مؤامرة كبرى على أمة عاشت قروناً يعيش في كنفها المسلم والمسيحي والدرزي والكردي والعربي، إلى جانب الشيعي والسني، فما الذي جعل الطابع الشيعي هو وقود المعركة منذ ثورة الخميني عام 1979 وبعد أن حلت مصر محل إيران في خدمة المخطط الصهيوني الأميركي، وبدأ التحالف الإيراني السوري ثم ظهور حزب الله بعد الغزو الإسرائيلي لبيروت في صيف 1982 بعد عام تقريباً من ضرب المفاعل النووي العراقي الذي ساعدت إيران على ضربه خلال حربها مع العراق.

وأصبح فك التحالف الإيراني السوري الداعم للمقاومة ضد إسرائيل هو هدف خطة إسرائيل، خاصة بعد ظهور قصة المفاعل النووي الإيراني الذى شغل العالم كله بينما سكت العالم على أسلحة إسرائيل النووية رغم أن الأسلحة الفتاكة في المنطقة هي خطر على المنطقة بأسرها، فصار الصراع الإيراني الإسرائيلي مرتبطاً بالصراع الإيراني الخليجي، وأسفر ذلك عن محرقة سوريا، ثم فتنة السنة والشيعة.
الأزهر والمؤسسات الدعوية كرابطة العالم الإسلامي يقع عليها عبء تأكيد وحدة الإسلام والمسلمين ضد عدو يغتال الأقصى وهم جميعاً في غيبهم يعمهون 
الحل عندي هو أن يراجع الجميع موقفه من هذه الفتنة على أساس فصل المذهب الشيعي والسني عما لحق بهما من توظيف سياسي والعودة إلى احترام فكرة الدولة في المنطقة، فشيعة السعودية والكويت والبحرين ولبنان وغيرها هم مكون ديني في هذه الدول لا علاقة لإيران بها، كما أن الأزهر والمؤسسات الدعوية كرابطة العالم الإسلامي يقع عليها عبء تأكيد وحدة الإسلام والمسلمين ضد عدو يغتال الأقصى وهم جميعاً في غيبهم يعمهون.

أفيقوا يا سادة قبل أن يلعنكم الأقصى في معجزة جديدة في مرحلة الأهلية الإسلامية "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" (آل عمران/103)، فكيف عدتم إلى جاهليتكم وأنتم تقرؤون هذا الفضل العظيم؟

إنني أستحلفكم بالله ونحن في الأشهر الحرم وعلى أبواب رمضان أن تعودوا إلى كتابكم وتحقنوا دماءكم، فهي حجة عليكم يوم الدين.

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد. إن السعودي سعودي قبل أن يصبح سنياً أو شيعياً، وكذلك العراقي والبحريني واللبناني واليمني، كما كانت فارس سنية قبل اعتناق المذهب الشيعي عام 1601، كذلك كان الشاه شيعياً أيضاً، فلماذا ظهرت الفتنة الآن؟

إنني أدعو كل المثقفين والمفكرين العرب إلى أن يعلنوا موقفهم من هذه الفتنة وغيرها من الفتن التي تعصف بالوجود العربي.





الرسائل السياسية المتبادلة في مأتم الحوثيين


تمت الإضافة بتاريخ : 13/06/2013


عبدالملك شمسان

عبدالملك شمسان


لماذا التزم الإصلاح الصمت؟
أراد عبدالملك الحوثي وجماعته أن يجعل من دفن حسين الحوثي الأربعاء الفائت بمثابة إعلان عن ميلاد جديد للجماعة المحتفظة بكميات من شتى أنواع الأسلحة ولا تفتأ تستورد منها المزيد والتي حددت حزب الإصلاح عدوا لها.
وكون الجماعة لا تريد أن تنهي صراعات الماضي بينها وبين الدولة وتسير بوضوح نحو مستقبل تحيل فيه الإصلاح إلى عدو تحله محل النظام السابق كغريم مسؤول عن الست الحروب معها، وتستفزه -وكل من يخالفها- ليكون طرفاً في حرب قادمة تُجري عملية الاستعداد لها بشكل يومي، فكأن الإصلاح يشعر بالقلق إزاء ذلك، ومن الطبيعي أن يمتنع عن نعي حسين الحوثي أو المشاركة في مراسيم دفنه، لأنه ينظر إلى المعاني المستقبلية للأمر لا إلى الماضي، تماما كما ينظر الحوثي.
لقد استثار الحدث كثيرا من النشطاء في الفيس بوك، بل والخاملين، وشنوا هجوما عنيفا على الحوثي فكرا وأشخاصا، ووصل الأمر إلى السخرية المباشرة من حسين الحوثي وجماعته، وكانت هذه الحملة على ساحات الفيس بوك أشبه بمسيرة ثورية خرج فيها الجميع بأكثرية إصلاحية، وخرجت كثير من شعاراتها عن السيطرة.
وبفعل طغيان هذه الحملة، إضافة إلى توظيفها واستغلالها من قبل الطرف المستفيد المرتب إعلاميا، بما في ذلك الحوثيين الذين يريدون أن يجعلوا من الإصلاح عدوهم بالقوة.. بفعل كل هذا تحولت الحملة لدى الرأي العام إلى ما يشبه الموقف الرسمي للإصلاح، فيما الإصلاح لم يعترض على تسليم رفات الحوثي أولاً، ولا على مراسيم دفنه ثانياً، وإنما عبر بعض قيادته على صفحاتهم في الفيس بوك عن استهجانهم الوقوف طوابير في مأتم الحوثي فيما عشرات الآلاف من أطفال ضحايا الحروب الست قد تحجرت عيونهم ولم يجدوا من يمسح على رؤوسهم عزاءً أو يربت على أكتافهم مواساة، ما يعني الرفض المبطن للتعامل مع القضايا بانتقائية لصالح طرف دون آخرين، وتقديم الحلول مجزأة بالتقسيط وبما يفقدها صفة الحلول، بل وبما قد يجعل منها إشكاليات جديدة تحتاج إلى حلول.
مقابل ماذا سلم الرئيس رفات الحوثي!؟
لقد كان من الطبيعي والإيجابي أن يقوم الرئيس بتسليم الحوثيين رفات مؤسس الجماعة، وكان الطبيعي -أيضا- أن يجيء هذا الإجراء مفردة من مفردات حل قضية صعدة وإنهاء المشكلة برمتها لا أن يأتي الإجراء  كمفردة مستقلة لا تتصل بماضي القضية وحاضرها ومستقبلها.
منذ صعود الرئيس هادي إلى السلطة وحتى اليوم -مرورا بتاريخ قيام الرئيس هادي بتسليم الرفات لجماعة الحوثي لم يتوقف الحوثيون عن الهتاف المطالب بإسقاط النظام، نظام الرئيس هادي. وهنا يمتد سؤال كقتيل ليس له بواكي ولا أحد ينظم له مراسيم دفن: مقابل ماذا سلمهم الرئيس الجثة طالما وهذا التسليم ليس ضمن عملية الحل الشامل لقضية صعدة..؟
الاشتراكي.. المشروع الكبير في ضيافة المشاريع الصغيرة!!
الاشتراكي من جانبه لم يقدم العزاء للحوثيين وفق المنطق السياسي للحزب فيما يتعلق بقضية صعدة، أي ذلك المنطق الذي لم يفتأ يردده مع شركائه في المشترك خلال الست الحروب، ومفاده: إدانة حمل الحوثيين السلاح في وجه الدولة (فضلا عن استخدامه ضد المواطنين)، وإدانة معالجة الدولة مشاكلها مع شعبها بقوة السلاح.
وكانت المفردة الأساسية الثانية من مفردات خطاب الحزب وشركائه تتمثل في المطالبة بحل قضية صعدة حلا شاملا مرضيا للجميع: لسيادة الدولة، وللمواطنين من أبناء المحافظة الذي لحقهم الضرر، ولجماعة الحوثيين.
وأصدر الحزب الاشتراكي بيانا مطولا اعتبره رسالة عزائه للحوثيين، وكان سيبدو البيان منطقيا لو أنه تضمن -على سبيل المثال- لغة إنسانية بحتة تعبر عن موقف الحزب إزاء طرف هو بصدد دفن عزيز عليه بغض النظر عن أسباب قتله وحيثيات مقتله.
وكان سيظهر منطقيا أيضا لو أن الحزب أضاف إلى كلمات النعي والعزاء موقفه العام المتسق مع خطابه وخطاب المشترك المشار إليه سابقا بشأن قضية صعدة. لكن بيان الاشتراكي لم يتضمن هذا ولا ذاك، وإنما برر عزاءه في حسين الحوثي بقوله إن حسين وقف مع الحزب الاشتراكي حرب 94م.
وإذن فالحزب الاشتراكي لم يذرف الدمع في مأتم الحوثيين، بل وجد في مأتمهم مناسبة ليبكي نفسه، ولم يعبر عن مظلومية للحوثيين بل وجد في المناسبة مناسبة للتعبير عن مظلوميته هو.
الحزب الاشتراكي الذي بادر بعد حرب 94م لاتخاذ قرار ضد قيادته التي أعلنت الحرب والانفصال في 94م وأنكر صلته بقرار الحرب والانفصال معا، ها هو يتراجع عن موقفه إزاء تلك القيادة (ورد هذا في الصحيفة الناطقة باسمه قبل أسابيع عبر فيها عن اصطفافه مع البيض الذي وصفه بالمناضل.. إلخ)، وها هو في بيان نعيه للحوثي يؤكد أنه كان الطرف الآخر في حرب 94، كحزب اشتراكي لا كشعب الجنوب كما يقول اليوم بعض المنتمين للحراك الانفصالي، أو كما يقول هو في بعض الأحيان.
الحزب الاشتراكي الذي يعد أكثر الأحزاب حديثا عن "المشاريع الصغيرة"، والأكثر شرحا لخطورتها على المشروع الوطني هو ذاته الذي يرسل اليوم رسائل الغزل لهذه المشاريع الصغيرة ويستدر عطفها ورضاها.
والحزب الذي لم يتوقف يوما عن الدعوة لتجاوز الماضي وخلفياته ومآسيه يبدل اليوم خطابه ويعود لتبني حرب 94م والحديث عنها، لا كواحدة من أزمات اليمن التي يجب مواجهتها وحلها حلا عادلا، بل باعتبارها نهاية لتاريخ الوحدة بين الشمال والجنوب إلا أن هذه النهاية لم يكتب لها النهاية!!
الفرز السياسي بعيدا عن أولوية تسييد النظام والقانون
لم يخلف نظام علي صالح شخصا ولا طرفا في اليمن إلا وله مظلمة ومظلومية، والحل -عموما- ليس في تمكين مظلوم الماضي ليصبح ظالما في المستقبل، بل يكمن في تطبيق عدالة تنهي الماضي وتلد مستقبلا عادلا للجميع.
وكثيرا ما نسمع هذا الطرح من مختلف القيادات والأطراف السياسية، والكل يعول على قانون العدالة الانتقالية الذي يبدو أنه قد غدا واحدا من أصحاب المظلوميات، أو في طريقه ليغدو كذلك.. كثيرا ما نسمع هذا الطرح من كثير، وهو محل اتفاق، لكن ما لا نكاد نسمعه هو أن الحل الأول الذي يجب التعويل عليه -قبل العدالة الانتقالية- يكمن  في تسييد النظام والقانون.
منذ القدم تشبه الأوطان بالسفن، وجرت العادة أن يوصف الرئيس أو الملك بربان السفينة، وهو التشبيه الوارد في الحديث الشريف "مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقال الذين في أسفلها فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا وإن تركوهم غرقوا جميعا". وهذا الحديث هو مدخل المقال وأساسه.
فالفرضية الواردة في هذا الحديث في صيغة مثال: "كمثل قوم.." هي الفرضية التي أحالها الناس اليوم واقعا ملموسا.
لقد تراجع الشعور بالانتماء للوطن والشعب إلى حد مخيف ولصالح شعور بانتماء آخر بالغ الضيق: مناطقيا، حزبيا، قبليا، فئويا، أسريا، مذهبيا.. إلخ.
وعلى أنه ليس معيبا أن يشعر أي فرد بالانتماء المناطقي ولو إلى أصغر قرية، ولا بأي من تلك الانتماءات الأخرى (حزبية، قبلية، أسرية..) بل هو أمر طبيعي وإيجابي، لكنه إيجابي -فقط- عندما يكون شعورا رديفا للانتماء العام للوطن والشعب، أما أن يكون بديلا فهو انحراف في التفكير والشعور ينذر بكارثة.
ولهذا لم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على أولئك القوم أنهم استهموا السفينة، أي تقاسموها أسهما، بل أنكر على ذلك الذي أحل حقه الخاص أو انتماءه الصغير محل الانتماء الكبير، فأراد أن يتصرف منفردا في حقه بما يخل بالوضع العام، وأنكر على البقية موقفهم السلبي من هذا الشخص إن هم لم يأخذوا على يده حين فعل ذلك، أو أراد أن يفعل ذلك.
تقمع مظاهرة سلمية في تعز فلا تهتز شعرة لسوى المنتمين لهذه المحافظة.. يقتحم منزل وتنتهك حرمة إنسان في الحديدة فلا يتحرك غير أصحاب الحديدة..  تنهب أرضية في عدن فلا يكون لذلك معنى في بقية المحافظات.. يهضم معلم ويتعرض لأبشع أنواع الظلم فلا يبالي به سوى نقابته.. يخطف صحفي أو يعتدى عليه وينتهي الأمر ببيان من نقابة الصحفيين ولا يرى بقية المجتمع وسائر النقابات في الأمر شيئا يعنيها. وكل حزب هو وحده المعني بالدفاع عن أعضائه ولا علاقة له له بما يتعرض له غير المنتمين إليه.. وإلى آخر الأمثلة على هذا المنوال.
ومن المؤسف أن أصبحنا نسمع اليوم تعبيرات من قبيل "كتلة حضرموت في البرلمان، كتلة تعز، كتلة الجنوب، كتلة الحديدة.. إلخ). وإذا كان هذا في البرلمان الذي هو في الأصل كتل حزبية ومستقلون، وغدا الجامع بين كل متكتلين هو المنطقة وحل ذلك محل تمثيلهم لعامة الشعب وكل الوطن، فكيف بالمستويات الأدنى!؟
لم يحقق الشعب اليمني نجاحا في قضية كما فعل حين خرج بثورته السلمية، والتقى في الساحات ابن الساحل وابن الجبل وابن الوادي، المعلم والصحفي والمحامي وكل الفئات المهنية، الرجل والمرأة، القبيلي وغيره، الأبيض والأسود.. لم تغب أي من هذه الانتماءات  على امتداد الثورة، فالصحفي ظل صحفيا، والمحامي ظل محاميا، وابن الساحل ظل ساحليا، وابن الصحراء ظل من أهل الصحراء،  وإلى آخر هذا، لكن كل هذه الانتماءات كانت متكاملة يكمل بعضها بعضا في إطار الانتماء العام للوطن.
ويستحيل عليه أن يحقق نجاحا ويصل إلى مطلب ما لم يواصل العمل وفق ذات التفكير. ولهذا لم يبن النظام العائلي استراتيجيته يومها على تلميع نفسه في مواجهة الثورة، بل ركز كل جهده على تفتيت الثورة، لعلمه أن تفتيت الساحات وإنهاء هذا الشعور الوطني العام هو وحده الذي سيتكفل له بتدمير الثورة، وبالتالي استمراره في الحكم.
قتل طفل عن طريق الخطأ برصاصة شرطي في مدينة أثينا قبل سنوات، فخرجت اليونان كلها غاضبة، ثم توسعت دائرة الاحتجاجات ووصلت لعدد من العواصم الأوروبية، فماذا يحدث في اليمن اليوم بالمقارنة..؟
لا يعتدى على الصحفي إلا لأنه ينقل الخبر والحقيقة إلى الجميع لا لمجرد أنه صحفي، فالاعتداء عليه هو لمنعه من إيصال الخبر والمعلومة إلى البقية، وإذن فكل البقية هم الهدف من هذا الاعتداء في الحقيقة.
وأي مساس بالمعلم أو المدرسة يستهدف -في حقيقته- الجميع، لأن كلا منا -نحن غير المعلمين- له في المدرسة أخ أو أخت أو ابن أو بنت أو سيكون له ذلك، وحتى إذا لم يكن لأحدنا ذلك فإن مستقبل البلد كله مرهون بالتعليم. وهكذا، وإلى آخر هذه الأمثلة.
ولهذا قرر الله عز وجل (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا).
وما نشهده اليوم من تشرذم وتقسم وتمترس وراء الانتماءات الصغيرة التي حلت بديلا عن الانتماء العام لا رديفا له، إنما هو ناشئ عن ثقافة المحاصصة التي أسسها نظام علي صالح خلال ثلاثة وثلاثين سنة، فضاع النظام والقانون تحت أقدامها.
ويفترض أن لا تتوقف الثورة عند إسقاط النظام، فإسقاط النظام ليس إلا مدخلا لإصلاح الوضع لا هدف بذاته، وأن تستمر الثورة في اتجاه اقتلاع ثقافة التشرذم تحت اللافتات المختلفة، وتعيد جميع هذه الانتماءات الضيقة إلى وضعها الطبيعي كانتماءات متكاملة فيما بينها، وجميعها رديف للانتماء العام للوطن والشعب.
عندما يقوم أي وزير بتسييد النظام في وزارته، ويضمن كل مواطن حقه من هذه الوزارة، فلا يهم أحدا من أبناء اليمن أن يكون هذا الوزير من محافظته أو من غيرها، ولا يكترث أحد للانتماء الحزبي لهذا الوزير وما إذا كان من حزبه أو من غيره، لأن الجميع يمثلهم النظام والقانون لا الشخص. وينسحب هذا على كل مؤسسات الدولة.
ومثلا: في محافظات كالحديدة ولحج وتعز وريمة وأبين كان البعض يصب جام غضبه على صالح وعائلته منتقدا ما يسميه مصادرة "أصحاب مطلع" للثروة والسلطة، لكنهم كانوا -في ذات الوقت- يرفعون صور إبراهيم الحمدي الذي عرفوا في عهده تسييدا للقانون لا يقارن بعهد غيره، خاصة فيما يتصل بحياتهم بشكل مباشر.. ما يعني أنه لا يوجد لدى هؤلاء جميعا أي مشكلة مع "أصحاب مطلع"، لأن المحافظة التي ينتمي إليها صالح الذي ثاروا عليه هي ذاتها المحافظة التي ينتمي إليها إبراهيم الحمدي الذي يهتفون له!!
إنه البحث عن القانون ليس إلا، فهو وحده الجامع بين "مطلع" و"منزل"، وشمال وجنوب، وإسلامي ويساري وليبرالي.. إلخ. 
وما يحدث في مستويات السلطة في اليمن منذ سقوط صالح وعائلته ليس إلا تعميقا للانحرافات التي أسسها صالح بهذا الشأن، ولا ينم عن أي توجه نحو إعادة النظام والقانون إلى حاكم بديل لفوضى "النظام السابق" في كل مؤسسة.. بديل يساوي بين الجميع فيرضي الجميع ويشعر كل فرد في اليمن أنه ممثل في هذه المؤسسة، ممثل بالقانون لا بشخص من قريته أو أسرته أو حزبه أو محافظته.. إلخ.
أخيرا: إذا استمر هذا السلوك السلطوي الذي كان هو المقصود النهائي بثورة الشعب، ولم يستجد شيء من المضي نحو تحقيق العدل وتسييد النظام والقانون، فإنه لا مجال للحديث عن حل للقضية الجنوبية، ولا قضية صعدة، ولا قضية أي محافظة وكل محافظة لها قضية وإن لم يكن لأي منها لافتة تسمي بها قضيتها، ولا لحل أي قضية لأي مواطن في اليمن وكل مواطن في اليمن له قضية شخصية ومظلومية خاصة قبل المظلومية العامة!!
على الهامش.. ورقة من تاريخكم!!
غدا أردوغان وأحداث تركيا موضوعا يوميا لبعض الصحف والكتاب في اليمن،  ليس لشيء إلا لأن مظاهرات خرجت هناك ضد حكم الإسلاميين.
ديمقراطيون وحداثيون لكنهم يشنون هجوما شرسا ضد أردوغان الذي فاز في الانتخابات بالديمقرطية وصعد إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، فيما يصطفون في اليمن مع طامح للسلطة يسعى للوصول إليها عبر صناديق السلاح!!
يشنون هجوماً شرساً على أردوغان لأنه يفكر أنه "سلطان" كما يقولون، لكنهم لا يترددون عن الاصطفاف مع من يزعم أنه "إمام" بالحق الإلهي وإلى قيام الساعة!!
أردوغان يفخر بالسلطان عبدالحميد الذي رفض تسليم بيت المقدس لليهود وخاض ضد الغرب واليهود حربا ضروساً (منها: الحرب العالمية الأولى)، وهم يفخرون بإمامهم بالحق الإلهي "الشريف حسين" الذي كان حينها أميراً للحجاز واصطف في تلك الحرب هو وأئمتهم في اليمن مع اليهود وبريطانيا وأمريكا حتى تمكنوا سوياً من إسقاط الدولة العثمانية وتسليم اليهود بيت المقدس فإقامة دولة إسرائيل!!
Shamsan712@hotmail.com
الأهالي نت





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق