السبت، 19 يناير 2013

موسوعة النبأ: الشرك

موسوعة النبأ: الشرك

هو أعظم ذنب عصي الله به ، وهو أعظم الظلم وهو الذنب الذي لا يغفره الله لصاحبه إن مات عليه من غير توبة وصاحبه كافر خارج من دين الإسلام ، تحبط جميع أعماله ، ويخلد في نار جهنم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين
أما بعد
فإن أمر الشرك عظيم ، وهو أظلم الظلم ، ولا يمكن للإنسان أن يحذر منه ومن الوقوع فيه إلا إذا عرفه وعرف خطره ، ولذا يجب على كل مسلم معرفته ليسلم منه وليكون على بينة من أمره حتى لا يقع فيه ، لأنه إذا لم يعرفه ، ربما يقع فيه وهو لا يدري ، ولذلك كان حذيفة رضي الله عنه يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يقع فيه ، كما جاء في الصحيحين عنه رضي الله عنه أنه قال : "كان الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني " .
وسنحاول في هذه السطور تقديم عرض للموضوع حتى نستفيد منه وبالله التوفيق
أولا تعريف الإشراك :
الإشراك : مصدر أشرك ، وهو اتخاذ الشريك ، يقال أشرك بالله : جعل له شريكا في ملكه ، والاسم الشرك.
قال الله تعالى حكاية عن لقمان : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } ، هذا هو المعنى المراد عند الإطلاق .
 قال ابن سعدي : "حقيقة الشرك أن يُعبَد المخلوق كما يعبَد الله ، أو يعظَّم كما يعظَّم الله ، أو يصرَف له نوع من خصائص الربوبية والإلوهية"
كما يطلق أيضا على الكفر الشامل لجميع الملل غير الإسلام . فالشرك أخص من الكفر على الإطلاق العام ، فكل شرك كفر ولا عكس .
أنواع الشرك :
 ينقسم الشرك إلى قسمين وتحت كل قسم أنواع
أ‌-       الشرك الأكبر : فهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله وله أربعة أنواع :
1ـ  شرك الدعاء : " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلي البر إذاهم يشركون ".
قال ابن جرير : "يقول تعالى ذكره : فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر ، فخافوا الغرق والهلاك فيه {دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ}  يقول : أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم ، وأفردوا له الطاعة ، وأذعنوا له بالعبودية ، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم ولكن بالله الذي خلقهم. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ} ، يقول : فلما خلّصهم مما كانوا فيه وسلّمهم فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكاً في عبادتهم ، ويدعون الآلهة والأوثان معه أرباباً " .

وقال تعالى : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّـالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} [يونس :106 ، 107].

قال ابن جرير : "ولا تدع ـ يا محمد ـ من دون معبودك وخالقك شيئاً لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا يضرك في دين ولا دنيا ، يعني بذلك الآلهة والأصنام ، أي : لا تعبدها راجياً نفعها أو خائفاً ضرها ، فإنها لا تنفع ولا تضر ، {فَإِن فَعَلْتَ} ذلك فدعوتَها من دون الله {فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّـالِمِينَ} ، يقول : من المشركين بالله الظالمين أنفسهم " .

وقال سليمان آل الشيخ : "والآية نص في أن دعاء غير الله والاستغاثة به شرك أكبر ، ولهذا قال : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107]، لأنه المتفرد بالملك والقهر والعطاء والمنع ، ولازم ذلك إفراده بتوحيد الإلهية لأنهما متلازمان ، وإفراده بسؤال كشف الضر وجلب الخير ، لأنه لا يكشف الضر إلا هو ، ولا يجلب الخير إلا هو ، {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:4] ، فتعيّن أن لا يدعَى لذلك إلا هو ، وبطل دعاء مَن سواه ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً عن غيره ، وهذا ضدّ ما عليه عبّاد القبور ، فإنهم يعتقدون أن الأولياء والطواغيت الذين يسمونهم المجاذيب ينفعون ويضرون ، ويمَسّون بالضر ويكشفونه ، وأن لهم التصرف المطلق في الملك ".

وقال تعالى : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـافِرِينَ} [الأحقاف :5، 6].

قال سليمان آل الشيخ : "حاصل كلام المفسرين أن الله تعالى حكم بأنه لا أضلّ ممن يدعو من دون الله لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة واستغاثة مَن هذه حالُه ، ومعنى الاستفهام فيه إنكار أن يكون في الضُّلاَّل كلِّهم أبلغ ضلالاً ممن عبد غير الله ودعاه حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على تحصيل كلّ بغية ومرام ، ويدعون من دونه من لا يستجيب لهم ، ولا قدرة به على استجابة أحد منهم ما دام في الدنيا وإلى أن تقوم القيامة ".

وقد قـرّر العلماء أن دعاء المسألة ودعاء العبادة متلازمان ، قال سليمان آل الشيخ : "واعلم أن الدعاء نوعان : دعاء عبادة ودعاء مسألة ، ويراد به في القرآن هذا تارة ، وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما ، وهما متلازمان.

فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر ، فالمعبود لا بد أن يكون مالكاً للنفع والضر ، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضراً ولا نفعاً كقوله : {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة:76]  ، وذلك كثير في القرآن ، فهو يدعي للنفع والضر دعاء المسألة ، ويدعي خوفاً ورجاء دعاء العبادة ، فعلم أن النوعين متلازمان ، فكل دعاء عبادة مستلزم دعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ، وهذا لو لم يرد في دعاء المسألة بخصوصه من القرآن إلا الآيات التي ذكر فيها دعاء العبادة ، فكيف وقد ذكر الله في القرآن في غير موضع ، قال تعالى : {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] ، وقال تعالى : {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:16] وغير ذلك " .
وقد نص العلماء على أن من صرف شيئاً من نوعَي الدعاء لغير الله فهو مشرك.
قال ابن تيمية : "من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكّل عليهم يدعوهم ويسألهم كفر إجماعا ً" .
وقال ابن القيم : "ومن أنواعه ـ أي : الشرك ـ طلب الحوائج من الموتى ، والاستغاثة بهم ، والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ".
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : "ومن نوع هذا الشرك أن يعتقد الإنسان في غير الله من نجم أو إنسان أو نبي أو صالح أو كاهن أو ساحر أو نبات أو حيوان أو غير ذلك أنه يقدر بذاته على جلب منفعة من دعاه أو استغاث به ، أو دفع مضرة " .
وقال سليمان آل الشيخ : "فاعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئاً من نوعي الدعاء لغير الله فهو مشرك ولو قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلى وصام ؛ إذ شرط الإسلام مع التلفظ بالشهادتين أن لا يعبد إلا الله ، فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله فما أتى بهما حقيقة وإن تلفظ بهما ، كاليهود الذين يقولون : لا إله إلا الله وهم مشركون ، ومجرّد التلفّظ بهما لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناهما واعتقاده إجماعاً

2ـ  شرك النية : قال تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود :15 ، 16].

قال ابن عباس رضي الله عنهما : (من عمل صالحاً التماس الدنيا ، صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل لا يعمله إلا لالتماس الدنيا ، يقول الله : أوفّيه الذي التمَسَ في الدنيا من المثابة ، وحبط عمله الذي كان يعمل التمَاسَ الدنيا ، وهو في الآخرة من الخاسرين) .

وقال ابن القيم : "أما الشرك في الإرادات والنيّات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقلّ من ينجو منه ، من أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقريب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته " .

وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن معنى قوله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} فأجاب بما ملخصه : "ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعله الناس اليوم ولا يعرفون معناه ، فمن ذلك :
النوع الأول : العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقة وصلاة وإحسان إلى الناس ، وترك ظلم ونحو ذلك مما يفعله الإنسان ، أو يتركه خالصاً لله لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة ، إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته ، أو حفظ أهله وعياله ، أو إدامة النعم عليهم ، ولا همّة له في طلب الجنة والهرب من النار ، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا ، وليس له في الآخرة نصيب.

النوع الثاني : وهو أكبر من الأول وأخوف : وهو أن يعمل أعمالاً صالحة ونيته رياء الناس لا طلب ثواب الآخرة.

النوع الثالث : أن يعمل أعمالاً صالحة يقصد به مالا ً، مثل أن يحج لمالٍ يأخذه لا لله ، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، أو يجاهد لأجل المغنم ، فقد ذكر أيضاً هذا النوع في تفسير هذه الآية ، وهؤلاء أعقل من الذين قبلهم ؛ لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها ، والذين قبلهم عملوا من أجل المدح والجلالة في أعين الناس ، ولا يحصل لهم طائل ، والنوع الأول أعقل من هؤلاء ، لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له ، لكن لم يطلبوا منه الخير الكثير الدائم وهو الجنة ، ولم يهربوا من الشر العظيم وهو النار.

النوع الرابع : أن يعمل بطاعة الله مخلصاً في ذلك لله وحده لا شريك له لكنه على عمل يكفّره كفراً يخرجه عن الإسلام ، مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم من الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة ، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام وتمنع قبول أعمالهم.
بقي أن يقال : إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج ابتغاء وجه الله طالباً ثواب الآخرة ، ثم بعد ذلك عمل أعمالاً قاصداً بها الدنيا ، مثل أن يحج فرضه لله ، ثم يحج بعده لأهل الدنيا ، فهو لما غلب عليه منهما ".
شرك الطاعة :  قال تعالى : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم "
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : "وتفسيرها الذي لا إشكال فيه هو طاعة العلماء والعباد في معصية الله سبحانه ، لا دعاؤهم إياهم ، كما فسّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما سأله فقال : لسنا نعبدهم! فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية " .

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال : ((يا عدّي ، اطرح عنك هذا الوثن)) ، وسمعته يقرأ في سورة براءة : {اتَّخَذُواْ أَحْبَـارَهُمْ وَرُهْبَـانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللَّهِ} ، قال : ((أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه)) .

قال ابن تيمية : "وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحلّ الله يكونون على وجهين:
أحدهما : أن يعلموا أنهم بدّلوا دين الله فيتّبعونهم على التبديل ، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤساهم ، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل ، فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلّون لهم ويسجدون لهم ، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.
والثاني : أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً ، لكنهم أطاعوهم في معصية الله ، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص ، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إنما الطاعة في المعروف)) ، وقال : ((على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية))  " .

وقال ابن تيمية أيضاً : "ثم ذلك المحرِّم للحلال والمحلِّل للحرام إن كان مجتهداً قصدُه ابتاع الرسول لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر ، وقد اتقى الله ما استطاع ، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه ، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ، ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمّه الله ، لا سيما إن اتّبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد ، مع علمه بأنه مخالف للرسول ، فهذا شرك يستحقّ صاحبه العقوبة عليه " .

شرك المحبة : قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءواْ مِنَّا كَذالِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَـارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:165-167] .

قال ابن زيد : "هؤلاء المشركون ، أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله ، يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله، والذين آمنوا أشد حباً لله من حبهم هم لآلهتهم " .

قال ابن القيم : "منزلة المحبة : وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون ، وإليها شخص العاملون ، وإلى علَمها شمّر السابقون ، وعليها تفانى المحبون ، وبروح نسيمها تروّح العابدون ، فهي قوت القلوب ، وغذاء الأرواح ، وقرة العيون ، وهي الحياة التي من حرِمها فهو من جملة الأموات ، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات ، والشفاء الذي من عدِمه حلّت بقلبه جميع الأسقام ، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ، وهي روح الإيمان والأعمال ، والمقامات والأحوال ، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه " إلى آخر كلامه .
وقال سليمان آل الشيخ: "واعلم أن المحبة قسمان : مشتركة وخاصة.
فالمشتركة ثلاثة أنواع:
أحدها : محبة طبيعية ، كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء ونحو ذلك ، وهذه لا تستلزم التعظيم.
الثاني: محبة رحمة وإشفاق ، كمحبة الوالد لولده الطفل ، وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم.
الثالث: محبة أنس وإلف ، وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضاً ، وكمحبة الإخوة بعضهم بعضاً.
فهذه الأنواع الثلاثة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض ، ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى  والعسل ، وكان يحب نساءه ، وعائشة أحبّهن إليه ، وكان يحبّ أصحابه ، وأحبّهم إليه الصديق رضي الله عنه.

القسم الثاني : المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله ، ومتى أحبّ العبد بها غيره كان شركاً لا يغفره الله ، وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة وإيثاره على غيره، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً ، وهي التي سوّى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها "
5- شرك الخوف : قال تعالى : {إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَـانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] .
قال مجاهد : "يخوّف المؤمنين بالكفار " .
قال سليمان آل الشيخ : "الخوف على ثلاثة أقسام:
أحدها : خوف الشر ، وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء ، من مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك ، بقدرته ومشيئته ، سواء ادَّعى أن ذلك كرامة للمخوف بالشفاعة ، أو على سبيل الاستقلال ، فهذا الخوف لا يجوز تعلقه بغير الله أصلاً ، لأن هذا من لوازم الإلهية ، فمن اتخذ مع الله نداً يخافه هذا الخوف فهو مشرك.
وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وآلهتهم ، ولهذا يخوفوِّن به أولياء الرحمن ، وهذا القسم هو الواقع اليوم من عبّاد القبور ، فإنهم يخافون الصالحين ، بل الطواغيت ، كما يخافون الله بل أشد ّ، ولهذا إذا توجّهت على أحدهم اليمين بالله أعطاك ما شئت من الأيمان كاذباً أو صادقاً ، فإن كان اليمين بصاحب التربة لم يُقدم على اليمين إن كان كاذباً ، وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أخوف عنده من الله ، ولا ريب أنّ هذا ما بلغ إليه شرك الأولين ، بل جهد أيمانهم اليمين بالله تعالى.
الثاني : أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر إلا الخوف من الناس ، فهذا محرم.
الثالث : خوف وعيد الله الذي توعّد به العصاة ، وهو الذي قال الله فيه : {ذالِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم:14] ، وقال : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ، وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان ، وإنما يكون محموداً إذا لم يوقع في القنوط واليأس من رَوح الله.
بقي قسم رابع : وهو الخوف الطبيعي ، كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق ونحو ذلك ، فهذا لا يذم ، وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلاة والسلام في قوله : {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} .
6- شرك التوكل : قال تعالى : {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة:23] .

قال سليمان آل الشيخ : "وفي الآية دليل على أن التوكل على الله عبادة ، وعلى أنه فرض ، وإذا كان كذلك فصرفه لغير الله شرك " .

وقال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـاناً وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].

قال ابن كثير : "أي : لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ، ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون الحوائج إلا منه ، ولا يرغبون إلا إليه ، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له، ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ، ولهذا قال سعيد بن المسيب : التوكل على الله جماع الإيمان " .

قال ابن القيم : "التوكل نصف الدين ، والنصف الثاني الإنابة ، فإن الدين استعانة وعبادة ، فالتوكل هو الاستعانة ، والإنابة هي العبادة ، ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها ، ولا تزال معمورة بالنازلين ، لسعة متعلق التوكل ، وكثرة حوائج العالمين ، وعموم التوكل ، ووقوعه من المؤمنين والكفار والأبرار والفجار والطير والوحش والبهائم " .
وأما التوكل على غير الله فهو قسمان.
قال سليمان آل الشيخ : "أحدهما : التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله ، كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من النصر والحفظ والرزق والشفاعة ، فهذا شرك أكبر ، فإن هذه الأمور ونحوها لا يقدر عليها إلا الله تبارك وتعالى.
والثاني : التوكل في الأسباب الظاهرة العادية ، كمن يتوكّل على أمير أو سلطان ، فيما جعله الله بيده من الرزق أو دفع الأذى ونحو ذلك ، فهذا شرك خفي.
والوكالة الجائزة هي توكيل الإنسان في فعل مقدور عليه ، ولكن ليس له أن يتوكل عليه وإن وكّله ، بل يتوكّل على الله ، ويعتمد عليه في تيسير ما وكله فيه " .
حكم الشرك الأكبر :
هو أعظم ذنب عصي الله به ، وهو أعظم الظلم ، قال - عز وجل -: {إن الشرك لظلم عظيم} لقمان (13) . وروى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم فقال أن تجعل لله ندا وهو خلقك "

وهو الذنب الذي لا يغفره الله لصاحبه إن مات عليه من غير توبة ، قال - عز وجل - : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء} النساء (116) . و روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدواوين ثلاثة فديوان لا يغفر الله منه شيئا وديوان لا يعبأ الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا فالإشراك بالله عز وجل قال الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا قط فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فمظالم العباد بينهم القصاص لا محالة "
وصاحبه كافر خارج من دين الإسلام ، تحبط جميع أعماله ، ويخلد في نار جهنم.
قال - عز وجل - : {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} الأنعام (88) .
وقال - عز وجل - : {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} المائدة (72) .
ب‌-  الشرك الأصغر :
 تعريفه:
قال ابن سعدي : "هو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسّل بها إلى الشرك كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة ، كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك ".
وقال السلمان : "هو كلّ وسيلة وذريعة يتطرّق بها إلى الشرك الأكبر ".
وعرفه بعضهم بأنه تسوية غير الله بالله في هيئة العمل أو أقوال اللسان ، فالشرك في هيئة العمل هو الرياء ، والشرك في أقوال اللسان هو الألفاظ التي فيها معنى التسوية بين الله وغيره ، كقوله : ما شاء الله وشئت ، وقوله : اللهم اغفر لي إن شئت ، وقوله : عبد الحارث ، ونحو ذلك " .
واختار البعض أنه لا يعرف بل يذكر بالأمثلة ، لأن تعريفه غير منضبط لكثرة أفراده وتنوعه ، وذلك كما صنع ابن القيم .
2- مصدر تسميته بالشرك الأصغر:
جاء في بعض النصوص الشرعية تسمية هذا النوع من الشرك بالشرك الأصغر.
فعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) ، قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : ((الرياء ، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)) .
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : كنا نعدّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرياء الشرك الأصغر

أنواعه :
1-    الرياء
هو  أن يعمل العبد العمل من أجل الناس فلا يخلص فيه فهو شرك وإن كان يسيرا.
 فقد روي ابن ماجة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " يسير الرياء شرك " . ومناف لخلق المؤمنين " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " . ويفسد العمل كما يفسد الخل العسل " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " ويأخذ جزاؤه في الدنيا ممن كان يرائيهم روي الإمام أحمد : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن الله عز وجل أنه قال : «أنا خير الشركاء فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري , فأنا بريء منه , وهو للذي أشرك » . وفي الآخرة له عذاب النار " أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " . وعلامة الرياء أن ينشط الإنسان أمام الناس ويكسل في غيبتهم وينشط عند الثناء ويكسل عند عدم الثناء روي الإمام أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو , فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل » ولما كان الشرك الأصغر أخفي من دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء . فقد حذر النبي منه فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : انطلقت مع أبي بكرالصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا بكر ، للشِّرك فيكم أخفى من دبيب النمل. فقال أبو بكر : وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، للشِّرك أخفى من دبيب النمل ، ألا أدلك على شيء إذا قـُـلتـه ذهب عنك قليله وكثيره ؟قال : قل : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ،وأستغفرك مما لا أعلم .
2-     الحلف بغير الله :
 فقد روي الإمام أبو داوود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " والحلف بغير الله شرك لأنك عظمت غير الله فالحلف تعظيم المحلوف به .
3-    الرقي والتمائم والتولة  :
 فقد روي الإمام أحمد " إن الرقي والتمائم والتولة شرك " فالرقي إن كانت بغير الله فهي عزيمة وشرك لقوله تعالي " ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين " أما الرقية الحلال فهي التي يتوفر فيها ثلاثة شروط : أن تكون من الكتاب والسنة وان تكون باللغة العربية وان تعتقد أنها سبب فهي لا تنفع بذاتها وإنما تنفع بإذن الله . وأما التمائم : فهي ما يعلق علي الأولاد لاتقاء العين فقد ورد من تعلق بتميمة وكل إليها وكذلك من علق تميمة فلا أتم الله عليه . وأما التولة : ما يصنعونه ليحبب المرأة لزوجها أو العكس وهي ضرب من ضروب السحر المحرم

4-     الشرك في الألفاظ :
كقول الرجل "ما شاء الله وشئت " و"هذه من الله ومنك "  و"أنا بالله وبك ".

وقد قال النبي "صلى الله عليه وسلم " لمن قال له : "ما شاء الله وشئت " : (أجعلتني لله نداً ، بل ما شاء الله وحده) ، رواه النسائي في عمل اليوم والليلة.
5-    الاعتقاد بتأثير النجوم والكواكب في حياة الناس والحوادث :
 وفي حديث طويل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : «أصبح من عبادي مؤمن وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب » رواه البخاري.
6-    الذبح لغير الله تعالى : وهو المغاير لقوله تعالى : «فصل لربك وانحر » قال عليه الصلاة والسلام : «لعن الله من ذبح لغير الله » رواه مسلم ومن الذبائح الشائعة في بعض البلاد الاسلامية «ذبائح الجن » التي تذبح لإرضاء الجن أو طردها وهي من المحرمات.
7-    الطيرّة والتشاؤم : قال تعالى : «فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه ، وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه » الاعراف/131 فالبعض يتشاءم من لون معين أو لبس خاص ، ومما يدخل في ذلك التشاؤم بالشهر كترك الزواج النكاح في شهر صفر أو بالأيام كيوم الأربعاء أو التشاؤم بالأرقام مثل (13) أو بأصحاب العاهات كما لو ذهب شخص لعمله ورأى صاحب عاهه تشاءم هذا اليوم كله وهذا كله حرام بحاجة الى استغفار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس منا من تطير ولا تُطير له ولا تكهن ولا تُكهن له » رواه الطبراني. ومن وقع في شيء من ذلك فكفارته ما جاء في حديث عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك قال : ان يقول أحدهم : «اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك » رواه أحمد.
والتشاؤم من طباع النفوس يقل ويكثر حسب الايمان وأهم علاج له التوكل على الله عز وجل كما قال ابن مسعود رضي الله عنه «وما منا إلا ويقع في نفسه شيء من ذلك «يقصد التشاؤم » ولكن الله يذهبه بالتوكل » رواه ابو داود.

حكمه :
 هو شرك يتنافى مع كمال التوحيد ، ولا يخرج صاحبه من الإيمان ولكنه معصية  من أكبر المعاصي ، لما فيه من تسوية غير الله بالله في هيئة العمل.
الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
ويختلف الشرك الأكبر عن الأصغر في أمور : فالأكبر يخرج من الملة وصاحبه كافر مخلد في النار ولا يدخل الجنة " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار "ويحبط كل عمله " ولقد أوحي إليك والي الذين من قبلك لأن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ". أما الأصغر : فلا يخرج من الملة ولا يوصف صاحبه بالكفر ولا يحبط إلا العمل الذي قارنه فقط ولكن هل هو كالشرك الأكبر لا يغفره الله ؟ . قيل لا يغفره الله بل يعاقب عليه ثم يدخل الجنة بعد العقاب . وقيل تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وان شاء غفر له
عن أبي بكر - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر « ثلاثا » قال : قلنا بلى يا رسول الله ، قال : «الاشراك بالله » متفق عليه والرواية للبخاري.

يدل الحديث على مدى حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين وأمانته في تبليغ الرسالة ، بأن بين للصحابة أكبر الكبائر التي يجب ان يحذروها وهي الشرك بالله تعالى. والشرك هو أن يشرك المرء في عبادته الله تعالى آخر قد يكون مادياً مخلوقاً كعبادة بعض المظاهر الكونية كالشمس والنار أو عبادة البقر ، وقد يكون معنوياً كالإيمان بفكرة كالشيوعية والوجودية وغيرها.


ما يكون به الشرك :
 يكون الشرك بأمور يتنوع اسمه بحسبها إلى ما يأتي :
أ - شرك الاستقلال ، وهو إثبات إلهين مستقلين كشرك الثنوية ، أو أكثر من إلهين .
ب - شرك التبعيض ، وهو اعتقاد أن الإله مركب من آلهة ، كشرك النصارى القائلين بالأقانيم الثلاثة ، وشرك البراهمة .
ج - شرك التقريب ، وهو عبادة غير الله ؛ ليقرب إلى الله زلفى ، كشرك متقدمي الجاهلية .
د - شرك التقليد ، وهو عبادة غير الله تعالى تبعا للغير ، كشرك متأخري الجاهلية .
هـ - الحكم بغير ما أنزل الله مع استحلال ذلك : لقوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } (1) وقد ورد أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه (2) فهم لم يعبدوهم ولكن شرعوا لهم ما لم يأذن به الله .
و- شرك الأغراض : وهو العمل لغير الله تعالى .
ز - شرك الأسباب : وهو إسناد التأثير للأسباب العادية
من مضار الشرك:
1-    حبوط الأعمال وإن كانت كثيرة.
2-    الخلود الأبدي في النار.
3-    استباحة دمه وماله وعرضه بالسَّبْي.
4-    القلق والاضطراب والنكد والكمد والخوف الدائم والحزن اللازم.
5-    لا يجد عونًا ومددًا من الله على ما يلقاه من مصائب الأقدار.
6-    أعظم من جميع المعاصي.
7-    عدو لله وللبشرية ولنفسه التي بين جنبيه.
8-    يدعوا إلى كل رذيلة ويبعد عن كل فضيلة.
ولما كان هذا حال الشرك ، وهذا شأنه عند الله تعالى ، فإنه يجب على العبد أن يخافه ويحذره ، لأنه تنقُّصٌ لرب العالمين ، وصرف خالص حقه لغيره ، وعدل غيره به ، كما قال تعالى : "ثم الذين كفروا بربِّهم يعدلون " (الأنعام/1).
ولا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به ، فهذا إبراهيم عليه السلام وهو خليل الرحمن وإمام الحنفاء يخاف الشرك على نفسه ويقول : "واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام " (إبراهيم/35)
فما بالك بمن دونه من البشر.
وأخيرا نختم بهذه الأبيات لابن القيم رحمه الله:
والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسـم ليس بقابل الغفران
وهو اتخـاذ النـد للرحـمن أيًا كان من حجر ومن إنسان
يدعـوه أو يرجـوه ثم يخافه ويحبـه كمحبـة الديَّــانالشرك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق