الجمعة، 21 يونيو 2013


أول ما سمعت عنه أثناء محنة اعتقاله في 2004م على ذمة الحرب الأولى و خلفية دوره التأسيسي لمنتدى الشباب المؤمن، كنت حينها في قاعة الدرس في جامعة صنعاء في دبلوم الدراسات العليا، ما أزال أتذكر كلمات قالها الدكتور جميل الحدابي في الاحتجاج على خبر اعتقاله كان يؤكد أن هذا الشخص من طراز مختلف ولا يمكن أن يكون له علاقة بمشروع الفتنة في صعدة و أنه عرفه عن قرب ولمس فيه الصدق والإخلاص والوعي الإيماني العميق البعيد عن العصبية الضيقة.
 إنه الباحث العلامة محمد يحيى  سالم عزان الأمين العام السابق لمنتدى الشباب المؤمن وعضو جمعية علماء اليمن من أولي البقية من علماء الزيدية في اليمن الذين يرفضون الانجرار إلى مشروع الفتنة الطائفية ويحذرون من تأثير هذه الفتنة على الإسلام والمذهب الزيدي في اليمن. التقت معه الصحوة في هذا الحوار لقراءة واقع الصراع اليوم في مناطق شمال الشمال ومخاطر تصاعده وتحويله إلى معارك طائفية تهدد أمن واستقرار اليمن في ظل استمرار بعض جماعات العنف في العمل ضمن أجندة  تحويل الإسلام إلى مشروع فتنة وصراعات، وشعارات للموت والقتل واللعن. فإلى الحوار:
حاوره: مجيب الحميدي
* كيف تقرأ واقع الصراع المذهبي في اليمن؟
- أعتقد أن المذهبية الطائفية كانت وليدة الصراع السياسي في تاريخنا الإسلامي، فهو الذي انتجها في البدايات الأولى، ثم انعكست الأمور تدريجيا فصارت "الأمة تلد ربتها" بأن أضحت المذهبية هي التي تنتج السياسة، وهي التي تعبر بالحركات السياسية إلى الحكم، وتحمل الطامحين إلى الزعامة وتمكنهم في المجتمع، لما لها من أثر عاطفي وروحي يتفاعل معه قطاع واسع من الناس، ويسهل التأثير عليهم به. فكلما أشتد التنافس السياسي ارتفعت درجت الغليان المذهبي، وإذا استقرت أوضاع السياسة بأن يغلب طرف على طرف، أو تتفق الأطراف على صيغة سياسة مقبولة، أو بأن أدرك كل طرف أن تمدده واستقطابه قد بلغ مداه، هنالك ينخفض مستوى شحن الاتباع والتنفير عن الخصوم بمقدار ما يأمن كل طرف من الآخر.
*  ما مخاطر هذا الصراع على أمن واستقرار اليمن أو بصيغة أخرى ما احتمالات تحوله إلى صراع عسكري طائفي؟
-خطورة هذا الوضع على اليمن، كبيرة ومخيفة لأن المجتمع اليمني لم يألف عمليات الفرز والتصنيف الحاد؛ لذلك تجده مختلطا ببعضه في نسيج واحد ليس فيه حارات ولا جوامع ولا مدارس ولا جامعات ولا محاكم تخص جماعة دون جماعة، رغم إدراك الناس الفوارق المذهبية التي يتعاملون معها وكأنها جزء من العادات والتقاليد. غير أن بعض التيارات التي يغلب عليها السطحية والحرفية وحدة الموقف تجاه الآخر تسللت إلى المجتمع السني. كما تسللت إلى المجتمع الزيدي تيارات يغلب عليها المبالغة في الولاء، والتأثر بالأساطير والخرافات، وأخذ كثير من اليمنيين المتفاهمين مذهبياً ينجذبون- تحت مؤثرات شتى- نحو هذا الطرف المتطرف أو ذلك، وشيئاً فشيئاً صارت المذاهب مزيجاً من الدين والسياسة، وتحولت إلى ما يشبه معسكرات يحشد كل منها لمواجهة الآخر، وأخذ الوسط المعتدل يذوب بالتدرج تحت تأثير حرارة الفرز والشحن والتحريض، وتوطيد مبدأ «من لم يكن معنا فهو ضدنا» حتى تحولت الحياة في بعض المناطق إلى مأساة يُحاسَب الناس فيها على هوياتهم المذهبية، ونتج عن ذلك قتل وتشريد ومواجهات مسلحة مؤسفة وأسوأ ما في الموجة المذهبية الجديدة أنها تدعو لرسمنة التفرقة والتمييز الطائفي، من خلال ما تطالب به من تخصيص مدارس وجامعات وجوامع وطقوس خاصة، تقدم فيها أفكار معلبة بحجة الحفاظ على الهوية. وتكمن خطورتها في أنها ستكون مجرد معامل لصناعة عقول أحادية التفكير وأوكار للتحريض والشحن على الآخر باعتباره غريبا غير مألوف في تلك الأوساط الخاصة، وبالتالي تتحول تلك المؤسسات إلى ما يشبه معسكرات تعبئة ومتاريس مواجهة، تنفجر لأتفه الأسباب وتقضي على كل شيء.
•كيف تسربت استباحة دماء المخالفين وأموالهم إلى هذا الصراع؟
-أشرت فيما سبق إلى أن من أهم أسباب الحشد ضد المخالفين تنشئة الجماعات في غرف مغلقة وتحت تأثير معين يستحضر فيه صورة معينة من صراع الماضي الذي يتعين الثأر له، إلى جانب صور أخر من مستقبل النعيم الموعود لمن يعمل وفق التعاليم والمخططات التي حشي بها رأسه على حين غفلة.
•كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة المرضية؟
-أعتقد أن ثمة مسالك:
أولا: رفع مستوى الوعي الشرعي بأن الحياة هبة الله عز وجل لكل الناس مهما كانت توجهاتهم، وأنه الذي سيتولى أمر الخلق، وليس لإنسان أن يصادر حق إنسان آخر في الوجود.
وأن الأنبياء لم يعتمدوا في تبليغ دعواتهم على العنف وسفك الدماء؛ لأن الإكراه على الدين ممنوع  فهو لا يصنع إيماناً ولا ينشأ عنه تدين صحيح. وأن استباحة الدماء لا يبرره: الاختلاف في الفكر، أو الرأي، أو الانتماء، أو المصلحة، إذ يكفي في كل ذلك الحوار، والجدال بالتي هي أحسن. وأن استغلال شعار القتال في سبيل الله، للقتال بسبب خصومة سياسية أو اجتماعية أو دينية خطأ، وأن الدعاوى في ذلك فارغة لا قيمة لها وأن مسلماتنا المذهبية التي نختلف فيها وعليها ليست مسلمات الإسلام التي يتعين الكفاح من أجلها إلى درجة الموت والاقدام على القتل والمقاطعة.
•ثقافة القتل واستباحة دماء المخالفين المتأولين هل لها جذورها في تراثنا المذهبي أم أن المصالح والتأثيرات الإقليمية هي من تقف وراءها؟
-لكل خلاف بين البشر أسباب بعضها يرجع إلى طبيعة تكوين الإنسان، وظروف نشأته، ومكونات بيئته. وبعضها يتعلق بالميراث الفكري الذي يحيطه منذ قدومه إلى الحياة، فيندفع معه بشكل طبيعي، وفي ضوئه تتشكل نزعاته النفسية، وملكاته الفكرية، ويبني خياراته الاجتماعية والدينية والسياسية التي يناضل من أجلها. وهو ما عبر عنه الإمام علي بن أبي طالب بقوله: "إنما قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ" فمن نشأ في بيئة مذهبية معينة «شيعية أو سنية » فإنه يستحضر في مختلف مناهجه وخطاباته ومناسباته أفكارًا محددة، ويركز على مواضيع وأحداث مخصوصة، ويمجد شخصيات ومواقف معينة، مما يؤدي إلى خلق مسلمات  يعتبرها الحق الذي يجب أن ينشأ عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير. وهذا ما يجعلنا ندرك أن أمر الاختلاف ليس نابعًا من مجرد العناد والتمرد على الحق، كما يراه كثير من الفرقاء في بعضهم.
ويمكن معالجة ذلك من خلال التعرف على طبيعة نشأة كل منا، ومراجعة ما نرى أنها مسلمات وتحليلها والصبر على ذلك حتى يتسنى الوصول إلى ما وراء حُجُب التَّبعية ونتجاوز أسوار المسلمات الموروثة. وذلك لا يتم إلا بالتواصل والحوار والمراجعة الجادة لكل شيء ومع كل الأطراف دون تحفظ أو شروط مسبقة. أما إذا قدم كل فريق ما لديه للآخرين بناء على مسلماته هو، وطالب غيره بقبول موروثه هو بدعوى أنه الحق المطلق، فالفشل سيكون مصير جهوده؛ نتيجة انشغال محل القناعة بقناعة سابقة، تحتاج أولًا إلى إخلائها بواسطة الحوار العميق وتقديم البديل الأفضل، ثم تهيئتها من جديد لقبول شيء آخر.
•هناك من يلخص مشكلتنا في محاولة البعض تحنيط التراث السياسي المذهبي المتعلق بنظريات الحكم والإمامة، هل هذه النظريات مقدسة؟
-حينما نتأمل في حركة السياسة عبر القرون الماضية نجد أن السابقين خلصوا إلى نظريات وتجارب مختلفة في أشكال الحكم نتيجة اختلاف الظروف ومتطلبات الشعوب، وهذا يعني أن تلك تجارب بشرية ليست برمتها مثالاً يجب الأخذ به، ولا خطأ يجب البراءة منه، فلا الحاضر ملزم بما أنتجه الماضي من اجتهادات ورؤى خصوصا مع زوال أسبابها وظروفها، ولا الماضي مسئول عما جدَّت به الأيام وتغير  به الزمان؛ لأن صور الأشياء وأشكالها تختلف باختلاف مواقعها، فلكلٍ تجربته ولكلٍ أسلوبه، والعبرة بمقدار ما يتحقق للناس من خير ورخاء وما يسودهم من عدل وإحسان.
•فكيف تفسر تراجع بعض علماء الزيدية عن بيان علماء الزيدية الصادر عام 1990م الذي تضمن اعترافا بالنظام الجمهوري؟
-الزيدية كغيرهم لهم تجارب في الحكم في اليمن والعراق وخرسان والمغرب قدَّموا من خلالها صوراَ مختلفة من أنظمة الحكم، ولم يقل أحد منهم أن ما مضى عليه في زمن ما هو نموذج يجب الاقتداء به والنسج على منواله، ولكن لكل حال مقال ولكل زمن رجال.وهذا لا يعني أن هنالك من اعتادوا استحضار نماذج لم تعد ملائمة لهذا العصر، ويقدمونها على أنها النموذج الأوحد لدى الزيدية وأنها المطلب الأمثل لهم في الحاضر، مستغلين لذلك أي حدث شاذ أو سلوك فردي أو حتى نص تاريخي ليس ملزما لأحد. أما بيان علماء الزيدية  الذي أشرت إليه، فاعتقد أنه أنسب مخرج للمأزق الفكري السياسي الذي وضعت فيه الزيدية، وأنا لا أعرف أن أحدا من العلماء الذين صاغوا ذلك البيان ووقعوا عليه قد تراجع عنه، ومن ادعى تراجعهم فعليه ان يأتينا في ذلك بنص مكتوب.

•توقيع بعض من صاغوا البيان على الوثيقة الفكرية التي تؤكد أن نظرية البطنين من العقائد، ألا يعد ذلك تراجعا عن بيان عام 1990م؟
-أولا: ينبغي أن تدرك أن البيان لم يكن إلغاء للنظرية أو تخطئة لها، وإنما كان بمثابة تجديد فيها، باعتبارها غير صالحة لهذا الزمان.
ثانياً: تلك الوثيقة أجحفت بالفكر الزيدي الحر وقزمته، وهي لا تمثل جميع الزيدية، ولو نظرت لتوقيع من أشرت إليهم على الوثيقة الفكرية، لوجدت أنهم وقعوا كشهود على ما جرى بين الطرفين المختلفين اللذين صدرت عنهما الوثيقة الفكرية، وهم أنصار الحوثي، وأنصار العلامة مجد الدين. ولهذا قلت من ادعى تراجع أصحاب البيان عن بيانهم فعليه أن يأتنا بنص لهم في المقصود.

•ألا ترى أن  الوثيقة تراجعت بصورة كبيرة عن الاطروحات التجديدية التي أكدت على تاريخية نظرية الإمامة؟
-أطراف الوثيقة-أنصار الحوثي والمؤيدي- لم يوافقوا يوما على أطروحات التجديد التي أشرت إليها، وهذا من حقهم، فإن أردت أنهم هم الذين تراجعوا، فهذا جوابك. وإن أردت أن ما جاء في الوثيقة هو تراجع عن التجديد من حيث المبدأ. فأتفق معك بأن التأكيد على التمسك بالنظريات السياسية التاريخية التي لم تعد قابلة للتطبيق تراجع عن مواكبة العصر وجمود على ما ينبغي التجديد فيه.. ولتبقى النظرية التاريخية جزءا من التاريخ السياسي كمثيلاتها من نظرية القرشية والأموية والعباسية والعثمانية والفارسية وغيرها، أما أن ينظر إليها على أنها جزء من الدين وأنه يجب العمل لتحقيقها وفرضها على الناس، وأن مخالفها مخالف جائر، فأمر مبالغ فيه واستغلال واضح للدين في السياسة.
•ما علاقة ما يحدث اليوم بثقافة الاحتكار الأسري للسلطة والدين والمعرفة؟ وما مدى إمكانية تخلي أنصار الحوثي عن مشروعهم السياسي القائم على نظرية الإمامة وفرضها بالقوة (الخروج المسلح)؟
-سؤالك هذا يتطلب مقدمات وتفاصيل كثيرة، سأكتفي هنا بإشارة عامة في العمق وهي أنني أعتقد أن أكثر المتنافسين على السلطة يسعون إلى الاحتفاظ بها واحتكارها إلى أبعد مدى ممكن، ولا مانع لديها ان تستخدم أي شعار: (ديني .. وطني .. وتاريخي .. وسياسي) وغيرها، وأنصار الحوثي اليوم جزء من المتنافسين وهم يستخدمون كغيرهم كل ما بوسعهم لتحقيق أهدافهم، ولو بدعوى أنهم إنما يسعون لتحقيق مراد الله، وتطبيق شرعع، كما يفعل غيرهم. أما التخلي عن أي مشروع سياسي مقلق أو التعديل في مساره.. فالذي يقرره هم أصحاب المشروع أنفسهم، وذلك مما لا يتم طواعية - في نظري – ولكن تحت ضغط الجمهور الذي يعي حقوقه و يطالب بنمط معين من الحكم، ويقرر أنه صار راشدا يمكنه الاختيار لنفسه، ولم يعد بالإمكان تجاهله أو تدجينه، عند ذلك تتراجع المشاريع الخيالية وتعود للتعامل مع الواقع، وعندها سنسمع نحن وأنت وغيرنا: فتاوى تجويز ما كان محظورا، وبيانات تبرير ما كان مستنكرا، واجتهادات تجدد ما كان بالياً. فإن لم يكن ذلك فالجمهورهو الذي سيفرض مساره كالسيل الجارف، ويرسي خياراته كالجبال الشامخة.
•كيف يمكن تأسيس ثقافة التعايش مع استقوى بعض التيارات بقوة السلاح وفرض رؤيتها بالقوة؟
-اللجوء إلى القوة ومغالبة المنافس بالسلاح؛ دليل ضعفٍ ووهنٍ في فكر من يفعلون ذلك، بل ويؤكد أن ثمة انحراف في مشاريعهم التي يدعون إليها؛ لذلك يستعينون على فرضها بسطوة السلاح وقهر الغلبة، مما يشكل عائقا في طريق بناء حياة الشعوب وتوفير العيش الكريم، ليس بسبب حيازة السلاح والتفاخر به والنظر إليه إلى أنه مصدر عز وحامي الوجود فحسب، بل لما يكمن وراء ذلك من عقلية ترى أن لها الحق في فعل ما تريد بالقوة والغلبة، وتفرض على الناس ما تراه صواباً، وبالتالي تضع المجتمع أمام خيارين أحدهما أسوأ من الآخر: فإما أن يضطر الجميع للتسلح والدخول في مختلف مشاريع الفتن والحروب لأتفه الأسباب، وإما أن يسلموا للقهر والغلبة ومنطق الاستضعاف، وينزلوا عند مبادئ الاستبداد ومناهج الاقصاء والقهر والغلبة.
*  ما الدور الذي يجب أن تقوم به مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام في تعزيز ثقافة التعايش وتحجيم مشروع الفتنة الطائفية؟
- اعتقد أنه لا يمكن الحد من بلاء المزيج السياسي المذهبي من خلال قواعد تفرضها الدولة، أو رقابة تنفذها مؤسساتها، أو مجرد إعلان اتفاقيات ومواثيق، وإن كان شيء منها قد يساعد إلى جانب منظومة إجراءات ينطلق بها الجميع برمته؛ لأن الدولة والمؤسسات ذاتها مصابة كغيرها بداء التمذهب السياسي، فهي من نسيج المجتمع المتأثر بكل ما يجري فيه من فرز واستقطاب وشحن وتحريض. فضلاً عن أن الدولة إذا دفعت نحو خيارات معينة بالإكراه فإن ذلك سيولد حالة من التمرد والشعور بالمظلومية التي تصنع مقاومة مقدسة في نظر كل من يشعر أنه في دائرة الاستهداف.
•لا أقصد التدخل العسكري أو الأمني؟
-يمكن للدولة القيام بجملة إجراءات للتخفيف من غلواء المزيج المذهبي السياسي المتعصب، وإبعاد المجتمع عن الفتن الطائفية، بإبراز دور الوسط الذي ليست لديه عقدة ضد الآخر المختلف معه، ولا يعتقد أن وجود غيره خطرا عليه، ولا يفكر في إخراجه لا من الحياة الفكرية، ولا السياسية ولا الطبيعية، ثم تتضافر الجهود لتوسيع دائرة ذلك الوسط، وتتاح له فرصة تقديم نفسه حتى يبدو كتيار واسع التأييد. عند ذلك سيسعى المتنافرون من أصحاب المزيج المذهبي السياسي، لاستقطاب ذلك الوسط، وسيدركون أن قبولهم لن يكون إلا بمقدار ما يكون لديهم من مرونة واستعداد لقبول الآخر كما هو، لا كما يريدون، وهذا مما يدفع بهم نحو مراجعة مواقفهم ومناهجهم، وشيئا فشيئا يتعودون على قبول غيرهم ويدركون أن لهم حقا في الوجود، وحقا في التفكير، وحقا في العيش الكريم، وإن لم يكونوا على شاكلتهم في شيء. ذلك إلى جانب أن تتبنى المؤسسات الرسمية ثقافة التسامح والتعايش، وتقوم بضخها من خلال قنوات التأثير مهما كانت انتماءات القائمين عليها، ويتولى فريق من النخب استحضار قيم التسامح من الدين الحنيف وتقديمها كنظريات للحياة الكريمة، وتمارسها بالفعل في سلوكها اليومي، حتى يثبت للمجتمع بكل أطيافه أنه لا يمكن لأحد أن يلغي أحداً، وأن التعايش والتسامح هو الخيار الأمثل للشعوب والمجتمعات، مهما اختلفت قناعاتها الفكرية وخياراتها السياسية.
•بالنظر إلى دورك في  تأسيس جماعة الشباب المؤمن، عندما تنظر اليوم إلى عدد القتلى والجرحى والمعاقين والأرامل والايتام والأموال الضائعة والبيوت المهدمة. لو استقبلت من أمرك ما استدبرت . ماذا ستفعل؟
-لو استقبلت من أمري ما استدبرت لاعدت ذلك المشروع من جديد، ولطورته بأفضل مماكان، وعملت على حمايته حتى لايؤخذ بعيدا عن أهدافه، فيزرع بدل الورد شوكاً، وينتج عنه بدل الحياة موتا، ومكان الألفة فُرقة، وبدل المودة عداوة، ومكان الانفتاح جمودا.
• بعد تحويل الإسلام إلى مشروع فتنة وصراعات، وشعار للموت والقتل واللعن، كيف يمكن تصحيح الخطاب الديني وتنقية الإسلام مما يشوه صورته العقلانية السمحة؟
- علينا أن ندرك أن الذين يذهبون بأي جماعة إلى مشاريع الفتن، ويحشدونهم على ضفاف الصراعات، ويقذفون بهم في لهوات الهلاك؛ يعملون بعناية على سد جميع منافذ تفكيرهم؛ حتى لا ينفذ إلى عقولهم أي قبس من نور يكشف حقيقة ما يجري في دهاليز الظلام، فهم يعلمون يقينا أنه لو تسلل إلى عقول اتباعهم بصيص ضوء لمشوا فيه؛ لأنه لا يقيم في وحشة العتمة إلا من لا يعرف بهجة النور.
 وهذا ما يجعل من يتولى كبر الفتن والصراعات يحجب اتباعة وأنصاره عما لدى الآخرين، على قاعدة {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ..} ويؤكد لهم أن كل ما يأتي به مخالفوه مجرد ضلالات وبدع، ومراكب غرق وهلاك.. فجميع الناس سواه: (مخالفون للحق. أعداء للوطن. مبتدعون. علماء سلطة. عملاء الخارج . روافض . نواصب. جهلة . مفتونين بالدنيا) وغير ذلك من المصطلحات التي تستعمل كوسيلة لحجب الاتباع وفصلهم عن محيطهم وقطع تواصلهم مع غيرهم.
 لذلك لا أجد وسيلة أنفع من العمل على الوصول إلى عقول الناس واسراجها بالمعارف الواسعة والأفكار النيرة لتنطلق في النور نحو كل الخيارات، وتسمع القول ونقضيه، والفكرة وضدها، والتجربة وعكسها، لتخلص بعد ذلك إلى أجود وأكمل وأصلح ما يطرحه الناس كل الناس.
على أن يقوم رجال الدين والفكر والدعوة بتقديم أفضل مالديهم من الخيارات المقبولة المعقولة لتكون إحدى ما يتم فيه وعليه المنافسة، وكأننا في قاعة عرض للمنتجات، فـ { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.. هذه مسؤلية علماء الدين المتنورين، ورجال الفكر المنتجين، والدعاة والكتاب المبدعين، كل في الوسط الذي يتقبله ولو بنسب متفاوتتة.
أما إذا ذهب كل فريق بجماعة، وأغلق نوافذ تفكيرها، وحال بينها وبين النظر إلى ما عند الآخر، أو قدم منتجات رديئة وطالب من مريديه اقتنائها والعمل في ضوئها تحت سطوة الترغيب والترهيب، المادي والمعنوي؛ فإن ذلك لا يفضي إلا إلى الصراعات التي لاتنتهي، ولا يجلب إلا التخلف والجهالات.

الصحوة نت – صنعاء:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق